للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حنيفة بالإرجاء أمر مرفوض. وله مبحث خاص إن شاء الله.

ثانيًا: قول ابن أبي حاتم:

قال ابن أبي حاتم: أخبرنا صالح بن أحمد بن حنبل أخبرنا علي بن المدني قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: مر بي أبو حنيفة وأنا في سوق الكوفة فلم أسأله عن شيء، وكان جاري بالكوفة فما قربته ولا سألته عن شيء (١).

وهذه الرواية -وإن كانت ذكرت على سبيل الطعن- إلا أنها لا تجوز أن تعتبر جرحًا في الإِمام وأن يحيى بن سعيد تركه, لأن عدم سؤاله في العلم ليس معنى ذلك تركه في الحديث، فابن القطان كان إمامًا وعنده علم بأمور دينه فلم يسأل عنها غيره؟ وقد سأل قبل ذلك ورحل وتجول في الآفاق، وأما عدم قربه له فلعله لما بين المحدثين والفقهاء أصحاب الرأي من التجافي بعض الشيء كما هو معروف، ولو صح السند إلى يحيى بن سعيد وصح قصد جرحه فإننا لا نقبله أيضًا لأن جرح الأقران غير مأخوذ به خاصة إذا كان مبنيًّا على التعصب كما سيأتي.

وقال ابن أبي حاتم: إن ابن المبارك ترك الرواية عن أبي حنيفة بآخره سمعت أبي يقول ذلك (٢).

ولكنه لم يذكر عمن نقل هذا الكلام والمعروف أن أبا حاتم لم يلق ابن المبارك ولا عاصره, لأن أبا حاتم -محمد بن إدريس بن المنذر الرازي- ولد سنة (١٩٥ هـ)، وتوفي سنة (٢٧٧ هـ) (٣) بينما عبد الله بن المبارك توفي سنة (١٨١ هـ)، ونحن لا نقبل كلام أبي حاتم أيضًا لأنه قد اتفق المحدثون على أن ابن المبارك روى عن أبي حنيفة وكان من أخص تلاميذه فهذا ما جاء أحد يقول بخلاف ذلك فإننا نطالبه بالدليل، ولم يذكر لنا أبو حاتم ما دليله على ذلك؟ أليس هذا هو الحق؟ ألا ترى أننا لو ذكرنا شيئًا لأبي حاتم بسند منقطع لسارع إلى رفضه وعدم قبوله، إذن فنحن لا نقبله إلا بدليل، ولم يأت به.

وقال ابن أبي حاتم أيضًا: أخبرنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني -فيما كتب إلى- عن أبي عبد الرحمن المقريء قال: كان أبو حنيفة يحدثنا فإذا فرغ من الحديث قال: هذا الذي سمعتم كله ريح وباطل (٤).

وهذا كلام مردود سندًا ومتنًا، أما من ناحية السند فإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني دمشقي توفي سنة (٢٥٩ هـ) (٥) وأبو عبد الرحمن المقرى كوفي توفي سنة (١٨٥ هـ) (٦)، فالانقطاع ظاهر بينهما فلا يصح السند، علاوة على أن ابن أبي حاتم يروي ذلك عنه مكاتبة وقد تكلم العلماء في الوجادة


(١) الجرح والتعديل: (٢/ ٤٤٩ رقم ٢٠٦٢).
(٢) الجرح: (٢/ ٤٤٩).
(٣) انظر التهذيب (٩/ ٣١)، والثقات (٩/ ١٣٧)، وسير أعلام النبلاء (١٣/ ٢٤٧)، والأنساب (٣/ ٢٧٥)، والجرح والتعديل (٧ / رقم ١١٣٣)، حيث ذكر ترجمة لأبيه. والوافي بالوفيات (٢/ ١٨٣).
(٤) الجرح (٨/ ٤٥٠).
(٥) تذكرة الحفاظ (٢/ ٤٥٩)، الجرح والتعديل (٢/ ١٤٨)، والوافي بالوفيات (٦/ ١٧٠)، تهذيب التهذيب (١/ ١٨١)، ميزان الاعتدال (١/ ١٧٥).
(٦) الوافي بالوفيات (٥/ ١٣٠)، وميزان الاعتدال (٤/ ١٦١).