للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والمكاتبة حتى إن منهم من ردها، بالإضافة إلى ضعف الجوزجاني فقد ضعفه ابن حبان وتابعه الذهبي (١)، ولكن يكفينا الانقطاع الذي عليه وبه نرد الخبر من أساسه.

وأما من ناحية المتن فغير معقول أن يجلس إمام في مسجد ثم يحدث الناس ثم بعد انتهاء كلامه يقول: إن كل ما حدثتكم به ريح وباطل، من هذا الذي يقول ذلك، هل من المعقول أن يقولها رجل شهد له بالذكاء والعقل وبديهة الحجة فطاحل العلماء، ثم إذا حدث الناس قال لهم لا تصدقوا كل ما قلته لكم فكلامي ريح وباطل! ! ماذا حصل؟ هل وصلت الخصومة إلى هذه الدرجة اتهام بالجنون تارة واتهام بالكفر والضلال تارة أخرى؟ .

وروى عن إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني أيضًا -كتابه أيضًا- حدثني إسحاق بن راهويه قال: سمعت جريرًا يقول: قال جرير بن محمّد اليمامي: سرق أبو حنيفة كتب حماد مني (٢).

وهذا الكلام مردود سندًا ومتنًا، أما من ناحية الإسناد فإن الراوي العمدة هنا ضعيف لا يحتج به -أقصد محمّد بن جابر اليمامي- فقد ضعفه ابن أبي حاتم نفسه وقال عنه: ضعيف كثير الوهم (٣). وضعفه النسائي والعقيلي وابن حبان وابن عدي والذهبي وابن الجوزي وأكثر العلماء (٤).

وأما من ناحية المتن فغير مقبول أيضًا من اليمامي هذا الكلام، فماذا يفعل أبو حنيفة بسرقة كتب حماد منه؟ هل سيجد فيها ما لم يسمعه من شيخه حماد الذي لازمه أكثر من عشرين سنة؟ أم سيزداد رفعة عند الناس بادعائه سماعات حماد كلها؟ وهل كانت الصلة الوطيدة بين أبي حنيفة وحماد تمنع أن يعطيه كتبه كلها أو يقرأها عليه، وهل كان أبو حنيفة الغني جدًّا يعدم وسيلة في الحصول على كتب حماد الذي كان أبو حنيفة نفسه يعينه على قضاء حوائجه الدنيوية كما تقدم. وهذا وهم ولا شك صادر من رجل كثير الأوهام كهذا الشيخ الذي يدعي لأن إمامًا كبيرًا أقر له الأكابر بالتقوى والورع، رحم الله اليمامي ما كان أعناه من مثل هذا الادعاء الذي ينال منه قبل أن ينال من أبي حنيفة ولكنه الحسد الذي يعمى ويصم.

ثالثًا: قول النسائي:

قال النسائي في الضعفاء: "أبو حنيفة النعمان بن ثابت ليس بالقوي في الحديث" (٥).

وهذا الكلام نقله عنه الذهبي في ميزان الاعتدال (٦)، وكذلك نقله عنه ابن الجوزي إلا أنه زاد وأربى وغير وبدل في كلام الأئمة المنقول في كتبهم (٧).

وكلام النسائي هذا لا يعتبر جرحًا:


(١) المجروحين (١/ ٤٤)، والمغني في الضعفاء (١/ ٣٠).
(٢) الجرح والتعديل (٨/ ٤٥٠).
(٣) الجرح (٧/ ٢١٩).
(٤) الضعفاء والمتروكين للنسائي (٥٣٣)، والضعفاء الكبير للعقيلي (٤/ ٤١)، والمجروحين (٢/ ٢٧٠)، والكامل (٦/ ٢١٥٨)، والمغني في الضعفاء (٥٣٤٩).
(٥) الضعفاء والمتروكين للنسائي: (ص ٢٣٣).
(٦) ميزان الاعتدال: (٤/ ٢٦٥).
(٧) الضعفاء لابن الجوزي.