يقول: دخل ابن عقدة بغداد ثلاث دفعات، سمع في الأولى من إسماعيل القاضي ونحوه، ودخل الثانية في حياة ابن منيع، فطلب مني شيئًا من حديث ابن صاعد لينظر فيه، فجئت إلى ابن صاعد، فسألته، فدفع إلي "مسند" علي، فتعجبت من ذلك، وقلت في نفسي: كيف دفع إلي هذا وابن عقدة أعرف الناس به؟ مع اتساعه في حديث الشيخ، هل فيه شيء يستغرب؟ فقال: نعم، فيه حديث خطأ، فقلت: أخبرني به، فقال: لا والله لا عرفتك ذلك حتى أجاوز الياسرية، وكان يخاف من أصحاب ابن صاعد، فطالت على الأيام انتظارًا لوعده، فلما خرج إلى الكوفة، سرت معه، فلما أردت مفارقته، قلت: وعدك؟ قال: نعم، الحديث عن أبي سعيد الأشج، عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، ومتى سمع منه؟ وإنما ولد أبو سعيد في الليلة التي مات فيها يحيى بن زكريا، فودعته، وجئت إلى ابن صاعد، فاعلمته بذلك، فقال: لأجعلن على كل شجرة من لحمه قطعة -يعني ابن عقدة- ثم رجع يحيى إلى الأصول، فوجد عنده الحديث عن شيخ غير الأشج، عن ابن أبي زائدة، فجعله على الصواب.
قلت: كذا أورد الخطيب هذه الحكاية، وخلاها، وذهب غير متعرض لنكارتها.
فأما يحيى بن زكريا أحد حفاظ الكوفة، فتوفي سنة ثلاث وثمانين ومئة. وقد روى عنه ابن معين. وأبو غريب. وهناد. وعلي بن مسلم الطوسي، وخلق كثير، من آخرهم يعقوب الدورقي، ويقال: مات سنة اثنتين وثمانين. وكان إذ ذاك أبو سعيد الأشج شابًّا مدركًا ملتحيًا. وقد ارتحل وسمع من هشيم. وموته بعد يحيى بأشهرٍ. فما يبعد سماعه من يحيى بن زكريا.
قال الحاكم: قلت لأبي علي الحافظ: إن بعض الناس يقول في أبي العباس، قال: في ماذا؟ قلت: في تفرده بهذه المقحمات عن هؤلاء المجهولين. فقال: لا تشتغل بمثل هذا، أبو العباس إمام حافظ محله محل من يسأل عن التابعين وأتباعهم.
وبه قال الخطيب: حدثنا أبو الحسن عليّ بن أحمد بن نعيم البصري -لفظًا- حدثنا عقد بن عدي بن زحر، سمعت محمد بن الفتح القلانسي، سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل، يقول: منذ نشأ هذا الغلام أفسد حديث الكوفة- يعني -ابن عقدة-.
أخبرني أحمد بن سليمان بن علي الواسطي المقرئ، أخبرنا أبو سعد الماليني، حدثنا ابن عدي، سمعت عبدان الأهوازي يقول: ابن عقدة قد خرج عن معاني أصحاب الحديث، ولا يذكر حديثه معهم -يعني: لما كان يظهر من الكثرة والنسخ-. وتكلم فيه مطين بأخرة لما حبس كتبه عنه.
وبه: حدثني الصوري، قال لي زيد بن جعفر العلوي، قال لنا علي بن محمد التمار، قال لنا أبو العباس بن عقدة: كان قُدامي كتاب فيه نحو خمس مئة حديث، عن حبيب بن أبي ثابت الأسدي لا أعرف له طريقًا. قال التمار: فلما كان يوم من الأيام، قال لبعض وراقيه: قم بنا إلى بجيلة موضع المغنيات، فقال: أيش نعمل؟ قال: بلى، تعال فإنها فائدة لك، فامتنعت فغلبني على المجئ، فجئنا جميعًا إلى الموضع، فقال لي: سل عن قصيعة المخنث، فقلت: الله الله يا سيدي، ذا فضيحة،