للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أخبار الآحاد في ذلك كله أو نحوه يسلم له ولا يناظر فيه .. وقد روينا عن مالك بن أنس والأوزاعي وسفيان بن سعيد، وسفيان بن عيينة، ومعمر بن راشد، في الأحاديث في الصفات أنهم كلهم قال أمروها كما جاءت نحو حديث التنزيل، وحديث إن الله خلق آدم على صورته، وأنه يدخل قدمه في جهنم وما كان مثل هذه الأحاديث" (١).

وقال في عقيدة التبرك بمجالسة الصالحين [صفحة ٢٣٦]: (أما التبرك بالصالحين فيكون بمجالستهم، والاستفادة من علمهم وخلقهم ونحو ذلك، كما في حديث الملائكة الذين يطوفون يلتمسون مجالس الذكر، وفيه قوله تعالى: (أشهدكم أني قد غفرت لهم. قال يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة. قال: هم الجلساء لا يشقى جليسهم) وفي رواية (هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) (٢).

فهذا العبد الخطاء شملته المغفرة ببركة مجالسته للصالحين.

قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-:

"وقول القائل ببركة الشيخ قد يعني بها دعاءه، وأسرع الدعاء إجابة دعاء غائب لغائب، وقد يعني بها بركة ما أمره به وعلّمه من الخير، وقد يعني بها بركة معاونته له على الحق وموالاته في الدين ونحو ذلك، وهذه كلها معان صحيحة" (٣).

رأي ابن عبد البر في التبرك بذوات الصالحين ومناقشته:

أما التبرك بذوات الصالحين أو بآثارهم كملابسهم وفضل وضوئهم ونحو ذلك، فهذا فيه خلاف بين العلماء -رحمهم الله-، فمنهم من أجازه، ومنهم من منعه.

فأما الذين جوزوا ذلك فقد قاسوه على ما ورد في ذلك من آثار في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - كما سبق ذكر جملة منها، وقالوا إن هذه الأحاديث أصل في التبرك بآثار الصالحين (٤).

واستدلوا أيضًا بفعل ابن عمر - رضي الله عنهما - في كونه يتحرى الأماكن التي صلى فيها الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيصلي فيها كما روى البخاري -رحمه الله- بسنده عن موسى بن عقبة قال: "رأيت سالم بن عبد الله يتحرى أماكن من الطريق فيصلي فيها، ويحدث أن أباه كان يصلي فيها، وأنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في تلك الأمكنة" (٥).

وقد أخذ ابن عبد البر -رحمه الله- بهذا الرأي مستدلًا بفعل ابن عمر - رضي الله عنهما - في تحريه الصلاة في المواضع التي صلى فيها الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ثم عمم الحكم وقاس آثار الصالحين على آثار النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد علق على ما ورد عن ابن عمر أنه تحرى الصلاة في أحد المساجد التي صلى فيها الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال:


(١) جامع بيان العلم وفضله (٢/ ٩٦).
(٢) رواه مسلم في (كتاب الذكر) رقم (٢٥)، (٤/ ٢٠٦٩).
(٣) مجموع الفتاوى (٢٧/ ٩٦).
(٤) انظر شرح مسلم للنووي (١٥/ ٨٢)، فتح الباري (١/ ٥٢٢ و ٥٦٩).
(٥) رواه البخاري (كتاب الصلاة- باب المساجد التي على طريق المدينة والمواضع التي صلى فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - (١/ ١٢٤).