للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

"وفيه ما كان عليه ابن عمر من التبرك بحركات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اقتداء به وتأسيًا بحركاته، ألا ترى أنه إنما سألهم عن الموضع الذي صلى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مسجدهم ليصلي فبه تبركًا بذلك ورجاء الخير فيه" (١).

وذكر حديث عمران الأنصاري أنه قال: "عدل إليّ عبد الله بن عمر وأنا نازل تحت سرحة (٢) بطريق مكة فقال: ما أنزلك تحت هذه السرحة؟ فقلت: أردت ظلها! فقال: هل غير ذلك؟ فقلت لا. ما أنزلني إلا ذلك. فقال ابن عمر: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا كنت بين الأخشبين من منى -ونفخ بيده نحو الشرق- فإن هناك واديًا يقال له السِّرر به شجرة سُر تحتها سبعون نبيًّا) (٣).

وقال بعد أن ذكره: "وفي هذا الحديث دليل على التبرك بمواضع الأنبياء والصالحين ومقاماتهم ومساكنهم. وإلى هذا قصد عبد الله بن عمر بحديثه هذا" (٤).

وقال في موطن آخر: هذا الحديث دليل على التبرك بمواضع الأنبياء والصالحين ومساكنهم وآثارهم .. " (٥)

بل نراه قد صرح بقياس التبرك بذوات الصالحين على التبرك بذات النبي - صلى الله عليه وسلم -.

فقد أورد حديث عائشة - رضي الله عنها -: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات، وينفث قالت: فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح عليه بيمينه رجاء بركتها" (٦)، وقال في تعليقه عليه:

"وفيه المسح باليد عند الرقية، وفي معناه المسح باليد على كل ما ترجى بركته، وشفاؤه، وخيره، مثل المسح على رأس اليتيم وشبهه. وفيه التبرك بأيمان الصالحين، قياسًا على ما صنعت عائشة بيد النبي - صلى الله عليه وسلم - " (٧).

والقول الآخر في المسألة المنع من ذلك كله، وقد حملوا كل ما ورد في ذلك على الخصوصية بالرسول - صلى الله عليه وسلم - ولم يقيسوا غيره عليه.

وهذا هو الصواب في المسألة -إن شاء الله تعالى-، لأنه لم يصح عن الصحابة، رضي الله عنهم- التبرك بآثار غير النبي - صلى الله عليه وسلم - ولأن فتح هذا الباب يفضي إلى الشرك بالله تعالى (٨).

وفي الصفحة (٢٨٨) قال المؤلف في منهج ابن عبد البر في إثبات الأسماء والصفات: (ومنهج ابن عبد البر -رحمه الله- في ذلك هو منهج أهل السنة من حيث إثبات ما ثبت لله تعالى من الأسماء والصفات، من غير تكييف ولا تمثيل، ونفي ما نفاه عن نفسه من غير تعطيل.


(١) التمهيد (١٩/ ١٩٧).
(٢) السرحة: الشجرة. انظر التمهيد (١٣/ ٦٤).
(٣) رواه مالك (كتاب الحج- باب جامع الحج صفحة ٢٧٣)، - والنسائي (كتاب الحج- باب ما ذكر في منى) (٥/ ٢٤٨) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (١/ ٢٣١).
(٤) التمهيد (١٣/ ٦٧).
(٥) الإستذكار (٦/ ٢١) مخطوطة اليمن.
(٦) رواه بنحوه البخاري في (كتاب الطب- باب الرقى بالقرآن والمعوذات) (٧/ ٢٢) ومسلم في (كتاب السلام) رقم ٥١، (٤/ ١٧٢٣).
(٧) التمهيد (٨/ ١٢٩).
(٨) الإعتصام للشاطبي (٢/ ٨).