للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قال ابن عبد البر: "وأما قوله في الثاني: فاستحيى فاستحيى الله منه، فهو من اتساع كلام العرب في ألفاظهم، وفصيح كلامهم، والمعنى فيه -والله أعلم- أن الله قد غفر له لأنه من استحيا الله منه لم يعذبه بذنبه، وغفر له بل لم يعاتبه عليه فكان المعنى في الأول أن فعله أوجب له حسنة، والآخر أوجب له فعله محو سيئة عنه والله أعلم.

وأما قول الثالث فأعرض فأعرض الله عنه، فإنه -والله أعلم- أراد أعرض عن عمل البر فأعرض الله عنه بالثواب .. " (١)

ومن هذا ندرك أن ابن عبد البر قد فسر هذه الصفات -كما فسر التي قبلها- بلازمها أو بالأثر المترتب عليها. ومعلوم أن أثر الصفة غير الصفة والكلام في الرد عليه كالكلام في الصفات السابقة. والله أعلم).

وبعد ما ذكر نورد ملخص كتاب (عقيدة ابن عبد البر) بقلم مؤلفه (صفحة ٥٥١):

فإلى هنا تأتي نهاية هذا البحث، الذي حرصت فيه على التركيز وعلى إيجاز مباحثه قدر المستطاع، وقد توصلت فيه إلى نتائج جليلة وأمور كثيرة منها:

أولًا: إننا عرفنا فيه الصحيح من اسم ابن عبد البر وإنه يوسف بن عبد الله بن محمّد بن عاصم النَّمري، وكنيته: أبو عمر، وإنه ولد في قرطبة سنة (٣٦٨ هـ)، ونشأ في بيت علم وصلاح وأخذ العلم عن مشايخ كثر، وأخذ عنه تلاميذ عديدون، وقد صنف مصنفات بلغت زهاء الأربعين مصنفًا، وقد توفي -رحمه الله- سنة (٤٦٣ هـ).

ثانيًا: أن منهج ابن عبد البر في العقيدة هو منهج أهل السنة والجماعة وأنه يعتمد على الكتاب والسنة في ذلك، ويرد كل قول يخالفهما أيًا كان قائله. ومن ذلك رده على مجاهد في تفسيره المقام المحمود كما سبق بيانه.

ثالثًا: أن من منهجه الأخذ بظاهر النصوص وعدم تأويلها أو ادعاء المجاز فيها، لأن ذلك يفضي إلى التلاعب بنصوص الشريعة وعدم الوثوق بها.

رابعًا: أن ابن عبد البر يرى الأخذ بخبر الواحد الصحيح في العقيدة كما هو منهج أهل السنة والجماعة.

خامسًا: يرى ابن عبد البر عدم جواز القياس في باب صفات الباري جل وعلا؛ لأن الكلام في الصفات متوقف على ورود النص. فما جاء في النصوص فيثبت، وما نفي فينفى وما لم يرد فلا نتكلف في البحث عنه.

فهذه المسألة مبناها على ورود النص فحسب.

سادسًا: في مجال الجدل والخوض في مسائل العقيدة يرى -رحمه الله- عدم الخوض في ذلك لأن العقيدة مبناها على التسليم والانقياد، فلا مجال فيها للجدل فالسلامة في الكف عن ذلك، إلا إن اضطر أحد إلى ذلك ليدفع شبهة أو يرد على خصم فلا بأس حينئذ والحالة هذه.

سابعًا: لم يغفل ابن عبد البر وهو يقرر عقيدة


= (٤/ ١٧١٣).
(١) التمهيد (١/ ٣١٧)، وانظر نحوه في شرح مسلم للنووي (١٤/ ١٥٩).