للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

راهويه وغيرهم من أئمة المسلمين قديمًا وحديثًا: إمرارها كما جاءت، من غير تكييف، ولا تشبيه.

قال نعيم بن حماد شيخ البخاري: من شبّه الله بخلقه كفر ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه، فمن أثبت ما وردت به الآثار الصريحة، والأخبار الصريحة على الوجه الذي يليق بحلاله ونفى عن الله النقائص، فقد سلك سبيل الهدى (١).

٤. صفة الوجه:

أما المراغي: فهو مؤول لصفة الوجه في جميع مواردها في القرآن، قال في قوله تعالى: {فَأَينَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} أي مكان تستقبلونه في صلاتكم. فهناك القبلة التي يرضاها الله لكم ويأمركم بالتوجه إليها، فاينما توجه المصلي في صلاته فهو متوجه إلى الله، لا يقصد بصلاته غيره والله تعالى راضٍ عنه، مقبل عليه.

والحكمة في استقبال القبلة، أنه لما كان من شأن العابد أن يستقبل وجه المعبود، وهو بهذه الطريقة محال على الله، شرع للناس مكانًا مخصوصًا يستقبلونه في عبادته إياه، وجعل استقباله كاستقبال وجهه تعالى (٢).

قلت: وهذا هو الضلال البعيد، والجهل بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي ورد فيها استقبال العبد وجه ربه، والقول على الله بلا علم ليس من شأن المتورعين، والخائفين من ربهم، وعكس ذلك القول بالظن والتخمين وعدم الاستناد إلى حجة من كتاب وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.

وفسر الوجه بالذات عند قوله تعالى: {كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إلا وَجْهَهُ} (٣) وعند قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيهَا فَانٍ (٢٦) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (٤).

٥. صفة المجيء والإتيان:

قال عند قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ}.

أي ها هي ذي قد قامت الحجج، ودلت البراهين على صدق محمد - صلى الله عليه وسلم -، فهل ينتظر المكذبون إلا أن يأتيهم الله بما وعدهم به من الساعة والعذاب، في ظلل من الغمام عند خراب العالم وقيام الساعة، وتأتي الملائكة وتنفذ ما قضاها الله يومئذ.

والحكمة في نزول العذاب في الغمام إنزاله فجأة من غير تمهيد ينذر به ولا توطئة توطن النفوس على احتماله لأن الغمام مظنة الرحمة، فإذا نزل منه العذاب كان أفظع وأشد هولًا، والخوف إذا جاء من موضع الأمن, كان خطبه أعظم، ونحو الآية قوله: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا} (٥).

وقال عند قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ}. والمراد بالإتيان: إتيان ما وعد به من


(١) تفسير المراغي: هامش (٨/ ١٧٣).
(٢) تفسير المراغي (١/ ٩٩).
(٣) تفسير المراغي (٢٠/ ١٠٤).
(٤) نفس المصدر (٢٧/ ١١٤).
(٥) تفسير المراغي (٢/ ١١٦).