أينَ رواياتُك في سَرْدِها ... لِتركِ أبوابِ السلاطينِ
أين روَايَاتِك فيما مَضَى ... عن ابنِ عونٍ وابنِ سِيرينِ
إن قلتَ: أكرِهْتُ فذا باطلٌ ... زَلَّ حمارُ العلمِ في الطينِ
فلما وقف على هذه الأبيات قام من مجلس القضاء، فوطئ بساط الرشيد، وقال: الله الله! ارحم شيبتي، فإني لا أصبر على الخطأ. قال: لعل هذا المجنون أغرى عليك! ثم أعفاه، فوجّه إليه ابن المبارك بالصرّة.
وقيل: إن ابن المبارك كتب له بهذه الأبيات لما ولّى صدقات البصرة.
سَهْلُ بن شاذويه، سمعت علي بن خشرَم يقول: قلت لوَكيع: رأيتُ ابن علية يشربُ النبيذ حتى يُحمل على الحمار، يحتاج من يردُّه إلى منزله، فقال وكيع: إذا رأيت البصري يشرب فاتهمه.
قلت: وكان الكوفيّ يشربه تدينًا، والبصري يتركه تدينًا.
قال عفان: حدثنا حماد بن سلمة، قال: ما كانا نشبِّهُ شمائل ابن عليّة إلّا بشمائل يونس بن عبيد، حتى دخل فيما دخل فيه.
وقال مرّة: حتى أحدث ما أحدث.
وقال سيلمانُ بن إسحاق الجلّاب: قال إبراهيم الحربي: دخل ابن علية على الأمين، فقال له: يا ابن كذا وكذا! إيش قلت؟ . قال: أنا تائب إلى الله، لم أعلم، أخطأت. قال: حدّث بهذا الحديث: تجيء البقرة وآل عمران يوم القيامة كأنّهما غمامتان يحاجّان عن صاحبهما. قال: فقيل لابن عليّة: ألهما لسانان؟ قال: نعم، فكيف تكلّما؟ فقيل: إنّه يقول إنّ القرآن مخلوق، وإنّما غلط.
قلت: انظر كيف كان الصّدر الأوّل في انكفافهم عن الكلام فإنّه لو قال أيضًا: يتكلّم بلا لسان لخطّأوه، والله تعالى يقول: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}.
ومن النّاس من يقول: يجيء ثواب البقرة وآل عمران، وكلّ هذا من التّكلّف، وابن عليّة فقد تاب ولزم السّكوت.
وقد كان منصور بن سلمة الخزاعيّ يحدّث مرّة فسبقه لسانه فقال: حدَّثنا إسماعيل بن عليّة، ثمّ قال: لا ولا كرامة، بل أردت زهيرًا، ثمّ قال: ليس من قارف الذّنب كمن لم يقارفه، وأنا والله استتبته -يعني ابن عليّة-.
قلت: هذا من الجرح المردود لأنه غلوّ.
وقال الفضل بن زياد: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن وهيب وابن عليّة، قال: وهيب أحبّ إليّ، ما زال ابن عليّة وضيعًا من الكلام الّذي تكلّم به إلى أن مات.
قلت: أليس قد رجع وتاب على رؤوس النّاس؟ قال: بلى. ولقد بلغني أنّه أدخل على محمّد (الأمين) بن هارون، فلمّا رآه زحف إليه، وجعل يقول: يا ابن كذا (وكذا) تتكلّم في القرآن؟ ! وجعل إسماعيل يقول: جعلني الله فداك! زلّة من عالم.
ثمّ قال أحمد: لعلّ الله أن يغفر له -يعني محمّد