للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

صفة الحياء

قال عند قوله تعالى من سورة الأحزاب: {وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} فإنه يستدعي أن يكون المستحيا منه أمرًا حقًّا متعلقًا بهم لأنفسهم، وما ذلك إلا إخراجهم يعني أن إخراجكم حقّ فينبغي أن لا يترك حياء ولذلك لم يتركه ترك الحيّ، وأمركم بالخروج والتّعبير عن عدم التّرك بعد الاستحياء للمشاكلة، وكان - عليه السلام - أشدّ الناس حياء وأكثرهم عن العورات إغضاء وهو التّغافل عمّا يكره الإنسان بطبيعته.

والحياء رقّة تعتري وجه الإنسان عند فعل ما يتوقّع كراهته أو ما يكون تركه خيرًا من فعله.

قال الرّاغب: الحياء انقباض النّفس عن القبائح وتركه لذلك، روي أن الله -تعالى- يستحي من ذي الشّيبة المسلم أن يعذّبه، فليس يراد به انقباض النّفس إذ هو تعالى منزّه عن الوصف بذلك، وإنّما المراد به ترك تعذيبه وعلى هذا ما روي أنّ الله -تعالى- حَييٌّ أي تارك للمقابح فاعل للمحاسن ثمّ في الآية تأديب للثّقلاء (١).

وقال عند قوله تعالى من سورة البقرة: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا}، والحياء تغيّر وانكسار يعتري الإنسان من تخوّف ما يُعاب به ويذمّ وهو جار على سبيل التمثيل لا يترك ضرب المثل بالبعوضة ترك من يستحيي أن يمثل بها لحقارتها (٢).

صفة الاستواء

قال عند قوله تعالى من سورة الأعراف: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} العرش يطلق على السّرير الّذي يجلس عليه الملوك، وعلى كلّ ما علاك وأظلّ عليك، وهو بهذين المعنيين مستحيل في حقه تعالى، فجعل الاستواء على العرش كناية عن نفس الملك والعزّ والسلطنة على طريق ذكر اللازم وإرادة الملزوم، فالمعنى بعد أن خلق الله عالم الملك في ستّة أيام كما أراد استوى على الملك وتصرّف فيه كيف يشاء، فحرّك الأفلاك وسيّر الكواكب وكوّر الليالي والأيّام، ودبّر أمر مصنوعاته على ما تقتضيه حكمته، وهذا قول القاضي استوى أمره أي استقرّ أمر ربوبيّته وجرى أمره وتدبيره ونفّذ قدرته في مصنوعاته وتخصيص العرش لأنّه أعظم المخلوقات، فإنّه الجسم المحيط بجميع الأجسام، فالاستواء عليه استواء على ما عداه أيضًا من الجنّة والنّار والسّموات والعناصر وغيرها (٣).

وقال عند قوله تعالى من سورة طه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} اعلم أنّ العرش سرير الملك والاستواء والاستقرار ها هنا الاستيلاء، ومعنى الاستيلاء عليه كناية عن الملك؛ لأنّه من توابع الملك، فذكر اللازم وأريد الملزوم، يقال: استوى فلان على سرير الملك على قصد الإخبار عنه بأنّه ملك وإن لم يقعد على السّرير المعهود أصلًا، فالمراد بيان تعلّق إرادته الشّريفة بإيجاد الكائنات وتدبير أمرها إذ الباري مقدّس عن الانتقال والحلول، وإنّما خلق العرش العظيم


(١) تفسير إسماعيل حقّي (٣/ ١٤٠).
(٢) نفس المصدر السّابق (١/ ٥٨).
(٣) تفسير إسماعيل حقّي (١/ ٧٢٨).