للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ليعلم المتعبّدون إلى أين يتوجهون بقلوبهم بالعبادة والدّعاء في السّماء، كما خلق الكعبة ليعلموا إلى أين يتوجهون بأبدانهم في العبادة في الأرض (١).

صفة الكلام

قال عند قوله تعالى من سورة النساء: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} عطف على إنا أوحينا إليك عطف القصّة، على القصّة وتأكيد كلّم بالمصدر يدلّ على أنّه -عليه السّلام- سمع كلام الله حقيقة لا كما يقول القدريّة من أنّ الله -تعالى- خلق كلامًا في محلّ فسمع موسى -عليه السّلام- ذلك الكلام؛ لأنّ ذلك لا يكون كلام الله القائم به، والأفعال المجازيّة لا تؤكّد بذكر المصادر، لا يقال أراد الحائط أن يسقط إرادة، قال الفرّاء: العرب تسمّي ما وصل إلى الإنسان كلامًا بأيّ طريق وصل ما لم يؤكّد بالمصدر، فإذا أوكّد به لم يكن إلا حقيقة الكلام، والمعنى أنّ التّكليم بغير واسطة منتهى مراتب الوحي خصّ به موسى من بينهم فلم يكن ذلك قادحًا في نبوّة سائر الأنبياء، فكيف يتوهّم كون نزول التّوراة عليه جملة قادحًا في صحّة من أنزل عليه الكتاب مفصّلًا مع ظهور أنّ نزولها كذلك لحكم مقتضية لذلك ... إلخ (٢).

وقال عند قوله تعالى في سورة الأعراف: {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} من غير واسطة وكيفيّة كما يكلّم الملائكة، وكان جبريل معه يسمع ما كلّمه ربّه، ولذا خصّ باسم الكليم لاختصاصه بذلك من البشر، فإنّ سائر الأنبياء -عليهم السّلام- إنّما يكلّمهم الله بواسطة الكتاب والملك، فإن قيل بأيّ شيء علم موسى أنّه كلام الله؟ قيل: لم ينقطع كلامه بالنّفس مع الحقّ كما ينقطع مع المخلوق، بل كلّمه بمدد واحد أي غير منقطع شاهد نفسه بمنزلة الآلة عند الصّانع، والآلة يحرّكها الأستاذ كيف يشاء؛ لأنّه ليس للآلة تصنع وتعمل، وقيل: علم أنّه كلام الحق وميّزه عن غيره بأنّه سمع.

صفة الوجه

قال عند قوله تعالى من سورة البقرة: {فَأَينَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} أي: هناك جهته الّتي أمر بها ورضيها قبلة فإنّ إمكانيّة التّولية غير مختصّ بمسجد دون مسجد أو مكان دون آخر أو فثمّ ذاته بمعنى الحضور العلميّ, فيكون الوجه مجازًا من قبيل إطلاق اسم الجزء على الكلّ، والمعنى: ففي أيّ مكان فعلتم التّولية فهو موجود فيه يمكنكم الوصول إذ ليس هو جوهرًا أو عرضًا حتّى يكون بكونه في جانب مفرغًا جانبًا، ولمّا امتنع عليه أن يكون في مكان أريد أنّ علمه محيط بما يكون في جميع الأماكن والنّواحي أي فهو عالم بما يفعل فيه ومثيب لكم على ذلك، وفي الحديث لو أنّكم دلّيتم بحبل إلى الأرض السّفلى لهبط على الله، معناه أنّ علم الله شمل جميع الأقطار، فالتّقدير لهبط على علم الله، والله -تعالى- منزّه عن الحلول في الأماكن لأنّه كان قبل أن يحدث الأماكن، كذا في المقاصد الحسنة (٣).


(١) نفس المصدر (٢/ ٥٦٠).
(٢) نفس المصدر (١/ ٥١٧).
(٣) تفسير إسماعيل حقّي (١/ ١٤٣).