للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقال عند قوله تعالى من سورة القصص: {كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إلا وَجْهَهُ} أي: إلا ذاته تعالى، فإنّه واجب الوجود وكل ما عداه ممكن في حدّ ذاته عرضة للهلاك والعدم، والوجه يعبّر به عن الذّات.

وقال أبو العالية: كلُّ شيء فانٍ إلا ما أريد به وجهه من الأعمال، وفي الأثر: "يجاء بالدُّنيا يوم القيامة فيقال: ميِّزوا ما كان منها لله، فيميّز ما كان منها لله ثمَّ يؤمر بسائرها فيلقى في النّار".

وقال بعض أكابر العارفين: الضمير راجع إلى الشيء والمعنى كلّ شيء فانٍ في حدِّ ذاته إلا وجهه الذي يلي جهته تعالى، وذلك لأنّ الممكن له وجود ماهية عارضة على وجوده فماهيّته أمر اعتياديّ معلوم في الخارج لا يقبل الوجود فيه من حيث هو هو، ووجوده موجود لا يقبل العدم من حيث هو هو كما قال بعضهم: الأعيان من حيث تعيّناتها العدميّة وهي الإمكان والحدوث راجعة إلى العدم وإن كانت باعتبار الحقيقة والتّعيّنات الوجوديّة عين الوجود، فإذا قرع سمعك من كلام العارفين أنّ عين المخلوق عدم والوجود كلّه لله فتلق بالقبول فإنه يقول ذلك من هذه الجهة (١).

وقال عند قوله تعالى من سورة الرّحمن: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} أي: ذاته، ومنه كرّم الله وجهه أي: ذاته، فالوجه العضو المعروف استعير للّذات لأنّه أشرف الأعضاء ومجمع المشاعر وموضع السّجود ومظاهر آثار الخشوع.

قال القاضي: ولو استقريت جهات الموجودات وتفحّصت وجوهها وجدتها بأسرها فانية في حدّ ذاتها إلا وجه الله الذي جهته. انتهى. (٢)

صفة الإتيان

قال عند قوله تعالى من سورة البقرة: {إلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ} الآية، أي: إتيان الله أي عذابه على صدق المضاف لأنّ الله -تعالى- منزّه عن المجيء والذّهاب المستلزمين للحركة والسّكون لأنّ كلّ ذلك محدث فيكون كلّ ما يصحّ عليه المجيء والذّهاب محدثًا مخلوقًا له، والإله القديم يستحيل أن يكون كذلك، وسئل عليّ - رضي الله عنه - أين كان الله- تعالى- قبل خلق السّموات والأرض؟ قال: أين سؤال عن المكان وكان الله -تعالى- ولا مكان، وهو اليوم على ما كان. ومذهب المتقدّمين في الآية وما شاكلها أن يؤمن الإنسان بظاهرها ويكل علمها إلى الله لأنّه لا يأمن في تعيين مراد الله -تعالى- من الخطأ فالأولى السّكوت.

ومذهب جمهور المتكلّمين أن لا بدّ من التّأويل على سبيل التفضيل (٣).

وقال عند قوله تعالى من سورة الأنعام: {أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ} أي: أمره بالعذاب والانتقام.

وقال البغويّ: أو يأتي ربّك بلا كيف لفصل القضاء بين موقف القيامة، أو المراد بإتيان الربّ إتيان كل آية يعني آيات القيامة والهلاك الكلّيّ بقرينة قوله تعالى {أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} يعني أشراط السّاعة التي هي الدّخان ودابّة


(١) تفسير إسماعيل حقّي (٢/ ٩٦٠).
(٢) تفسير إسماعيل حقّي (٤/ ١٩٩).
(٣) نفس المصدر (١/ ٢٢١).