يعني أن جميع الحسنات بخلق الله تعالى، فما لهم لا يفهمون ذلك، أما العبد فليس له إلا الكسب، الذي هو دار الثواب.
وأما قوله تعالى:{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}[النساء: ٧٩]، فهو على سبيل الإنكار" أ. هـ.
قلت: -أي المحقق- معنى الكسب عند الأشعرية: أن أفعال العباد فعل الله، وليست فعل العبد، ولكنها نسبت إليه لكسبه إياها، فهي مكسوبة للعبد، وليست فعلًا له.
وقالوا: إن قدرة العبد لا تأثير لها في فعله، ولا في صفة من صفاته، وأن الله أجرى العادة بخلق مقدور العباد مقارنًا لقدرتهم، فيكون الفعل مخلوقًا ومفعولًا بالله، وكسبًا للعبد، وأخذوا يفرقون بين الكسب: عبارة عن اقتران المقدور بالقدرة الحادثة، والخلق: عبارة عن اقتران المقدور بالقدرة القديمة.
وهذا الفرق، كما يقول ابن تيمية لا حقيقة له؛ لأن كون المقدور في محل القدرة أو خارجًا عنها ليس راجعًا إلى تأثير القدرة فيه، ولا علاقة له بذلك، كما أنه لا فرق بين كون العبد كسب، وبين كونه فعل وأحدث، فإن فعله وإحداثه مقرون أيضًا بالقدرة الحادثة. نقلًا عن كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية "أقوم ما قيل في المشيئة والقضاء والقدر والتعليل" (ابن تيمية وقضية التأويل: ص ٤٢٠).
ثم قال في النكت أيضًا: "والكلام على تقدير همزة الاستفهام الإنكاري، والتقدير فما أصابك إلا الله تعالى، أي كيف تكون هذه التفرقة أو وارد على سبيل مجرد، ذلك دون الايجاد والخلق توفيقًا بين الكلامين؛ لأنه يمكن تأويل الآية الأخيرة بأحد هذين الوجهين المذكورين، ولا يمكن تأويل الأولى فيتعين حمل الثانية على الأولى دون العكس" أ. هـ.
قلت -أي المحقق-: أهل الكتاب والسنة لا يحتاجون إلى مثل هذا التفسير، أما الأشعرية وغيرهم، فقد أوقعوا أنفسهم في إشكال كانوا في غَنى عنه لو اتبعوا نهج السلف الصالح، ونبذوا علم الكلام وراء ظهورهم، ولاحظ كيف تكلّف المصنف رحمه الله في تأويل هذه الآية، والله المستعان.
فهو محمول على السببية، والكسب، والجزء الاختياري الذي هو مناط التكليف، ومدار الثواب والعقاب لا على الإيجاد والحلق والتأثير، توفيقًا بين هذه الآيات بالحمل على الكسب، والجزء الاختياري، والسببية، ولا يمكن تأويل