الآيات السابقة المصرحة بأن جميع أفعال العباد بخلق الله تعالى بتأويل حسن يقبله العقل المستقيم، كما أوّل بعض الشيعة بأن الفعل يجوز أن يسند إلى ما له دخل في الجملة، ولا شك أن الله تعالى مبدأ لجميع الكائنات، وينتهي إليه الكل، فلهذا السبب جاز إسناد أفعال العباد إليه تعالى.
أقول: ولا يخفى عليك أن تأويل الآيات الدالة على أن أفعال العباد بقدرتهم بمثل هذا التأويل، أولى أو أحق من تأويل الآيات المصرحة بأن جميع أفعال العباد بخلق الله تعالى بذلك التأويل؛ محافظة لتوحيد الخالق على أن نسبة المدخلية في الجملة إلي الله تعالى مع كونه الفاعل الخالق على الإطلاق.
إنما هو من سوء الأدب:{وَمَا قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْويَّاتٌ بِيَمِينِهِ}[الزمر: ٦٧]، بل الحري بأن يكون له مدخل في الفعل، إنما هو العبد لكونه كاسبًا، وله الجزء الاختياري في فعله لا الخلق والإيجاد والتاثير، إذ لا مؤثر ولا خالق في الوجود سوى الله تعالى، مع أنه إن أراد بمدخلية الله تعالى في أفعال العباد أن أفعالهم صادرة بإرادته تعالى، فقد ثبت مطلوبنا من أنه لا يمكن صدور شيء في الوجود إلا بإرادته وقدرته تعالى، وإن أراد أن فعل العباد حادثة بمجموع قدرة الله تعالى، وقدرة العبد لزم القصور في قدرة الله تعالى.
والشيعة خالفوا ذلك فقالوا: إن أفعال العباد صادرة منهم بتأثيرهم وإيجادهم كالمعتزلة، نعم توحيد الخالق ليس من الأمور المهمة التي تجب محافظتها عند الشيعة؛ لأنهم يعتقدون أن عليًّا وأولاده - رضي الله عنهم - يتصرفون في الكائنات ويفعلون ما يشاؤون بإرادتهم بل قال بعضهما "إن عليًّا كرم الله وجهه هو المقدر للأرزاق" كما قال ابن معتوق الحويزي من شعرائهم لعنه الله في مدحه رضي الله عنه:
ومعدن العلم مهبط الوحي لا ... بل مقدر الأرزاق
والرافضة مع مخالفتهم لله تعالى فقد بارزوا الله تعالى بإثبات قدرة خالقه لهم كقدرته تعالى والكلام على هذه المسألة بالتفصيل لا يسعه هذا المختصر وقد استوفيت البحث في شرحي على رسالة خلق الأعمال لشيخنا المجدد قطب العارفين وغوث المرشدين حضرة مولانا خالد النقشبندي قدّس الله سره" أ. هـ النقل من كتاب "النكت" وكلام المحقق فيه.
* قلت: إذن هو أشعري العقيدة، نقشبندي الطريقة والسلوك، إلا أنه عالمًا معتدلًا في كثير من آرائه، والله أعلم.