ولذلك فقد رفض العاملي في (الأعيان) أن يكون المازني إماميًا ويقول بالإرجاء قال: (فلعله من الافتراء. فالإمامية تبرأ من المرجئة).
مع أن المرجئة لم تكفر الفرق الثلاث، الخوارج والشيعة والأمويين، و (ينتج من هذا أن موقفهم، إزاء حكم الأمويين موقف تأييد).
والمرجح عندي أن المازني أحب عليًّا (- رضي الله عنه -) كما يحبه المسلمون جميعًا، وربما كانت تدفعه عاطفة دينية إلى التعصب إلى أهل البيت، ولكنه لم يفضل عليًّا على غيره كما لم يفضله المسلمون، فكان يقول بالإرجاء، وهذا هو المذهب الصحيح غير المنسوب، وهو مذهب أهل السنة والجماعة.
وقد يؤكد صواب ما نذهب إليه أنه كان يطبق بعض مذاهب الإرجاء الفقهية، فالمرجئة تقول مثلًا:(إنه لا يضر مع الإيمان معصية) فإذا صح الخبر الذي نقله المعرّى عنه في الرسالة (أنه قال: إذا كان شرب الخمر أكبر ذنوبي تركته)، كان قوله هذا مصداقًا لإيمانه بالإرجاء قولًا وعملًا.
وأغلب ظني أن من نسبه إلى الإمامية إنما اعتمد على قوله:(إنما قلت روايتي عن الأصمعي لأنني رميت عنده بالقدر، ومذاهب الاعتزال) وقد عزى مرة بعض الهاشميين ونقلوا عنه أنه روى عن الرضا، وإلا فليس ثمة ما يؤيد من ذهب إلى أنه إمامي شيعي.
وأخيرًا فإن المازني من أهل السنة والجماعة -وهو ما نميل إليه ونؤكده- لم يمل إلى المعتزلة والقدرية ولا الرافضة ولا الخوارج ولم يأخذ برأي من آراء المذاهب الفقهية المشهورة.
أما أهل السنة والجماعة فهم أصناف ذكرهم البغدادي في (الفرق بين الفرق) وجعلهم ثماني فرق، وعد المازني من المصنف الرابع منها وهم:(قوم أحاطوا علمًا بأكثر أبواب الأدب، والنحو والتصريف وجروا على سمت أئمة اللغة، كالخليل وأبي عمرو بن العلاء وسيبويه والفراء والأخفش والأصمعي والمازني وأبي عبيد وسائر أئمة النحو من الكوفيين والبصريين الذين لم يخلطوا علمهم ذلك بشيء من بدع القدرية أو الرافضة أو الخوارج، ومن مال منهم إلى شيء من الأهواء الضالة لم يكن من أهل السنة ولا كان قوله حجة في اللغة والنحو).
وفي مكان آخر يؤكد البغدادي أن المازني كان من أهل السنة والجماعة وأنه لم يخلط دينه بشيء من بدع الروافض ولا الخوارج أو القدرية قال:(الخليل ... والمازني والمبرد ... وغيرهم من أئمة الأدب لم يكن بينهم أحد إلا وله إنكار على أهل البدعة شديد وبعد عن بدعهم بعيد، ولم يكن في مشاهيرهم من تدنس بشيء من بدع الروافض أو الخوارج أو القدرية).
ولقد كان المازني حجة ومرجعًا في النحو واللغة، انتهت إليه رئاسة مدرسة البصرة في عصره ولم يتعنت في الرواية عن أبي شاء فقد روى عن الملوي المعتزلي، وأخبر عن القدرية والثنوية، وأخذ عن الأصمعي، وعزى بعض الهاشميين شعرًا، وروى عن الرضا وقد أخبر عن الإمام عليّ رواية وعن مُعَاوية بن أبي سفيان وفي الخبر مدح لمعاوية فلو كان اماميًا رافضيًا أو فاطميًا -كما ادعى البيهقي- متعصبًا لتحرج من ذكره، فضلًا عن خبر مدحه.