مذهب المازني المتوفى سنة ٢٤٩ هـ وبين الفاطميين الذين ظهرت حركتهم متأخرة وأسس دولتهم بعد ما يزيد على قرن من وفاة أبي عثمان.
وإذا ثبت بطلان هذه الأقوال في مذهبه، فقد نقلوا عنه مذاهب أخرى يضرب بعضها بعضًا.
قال النجاشي في الرجال -رجال الشيعة- (من علماء الإمامية أبو عُثْمَان بكر بن محمد- وكان من غلمان إسماعيل بن ميثم).
وقال ياقوت إنه كان إماميًا يرى رأى ابن ميثم ويقول بالإرجاء.
وقال صاحب (مفتاح السعادة) إنه: (يقول بالإرجاء) وأسقط القول بإماميته فهذه ثلاثة أقوال يخالف بعضها بعضًا، على أن هناك قولًا رابعًا -وهو الذي سنرجحه- فيما بعد.
أما النجاشي ومن نقل عنه من علماء الشيعة كالمامقاني والتفريشي والعاملي فإنهم جميعًا يذهبون إلى أنه كان غلامًا لابن ميثم، ويضيف الخوانساري:(أنه كان غلامه في الأدب كما في الخلاصة) وهذا يعني أنه تتلمذ على يده في الأدب لا في الفقه مما يجعلنا نقدح في الرواية ونتحاشى الأخذ بها.
ولقد قام في نفسي. أول الأمر أن كتب الشيعة ستذكره في رجال (ابن ميثم) إن كان الأمر كما تزعم، أو تجعله من رجالها أو مؤلفيها، على الأقل، أو تجعله من الذين أخذوا عن الرضا. ولكن المازندراني في (معالم العلماء) والطوسي (في الرجال) والقمى في (عيون أخبار الرضا) لم يوردوا ذكرًا له قط، فكيف يمكن اعتباره من رجال ابن ميثم؟ صحيح أن (ميثم التمار -أو الطيار كما سماه ابن النديم: (كان من جلة أصحاب عليّ - رضي الله عنه -، وقد كان له ابن اسمه (إسماعيل بن ميثم) وكان بينه وبين المازني من الزمن ما ينيف على مائتي عام، فإذا افترضنا أن المازني كان غلامًا له، فربما قربت الفترة الزمنية بينهما إلى قرن ونصف أو أقل، فإن ذلك متعذر على المازني أن يرى إسماعيل، أو يكون غلامًا له إلا أن يكون (إسماعيل) قد عاش ما ينيف على القرن ونصف القرن! ! .
وإذا سلمنا أن المازني قد صار غلامًا (لابن إسماعيل هذا وهو (علي) ابن إسماعيل بن ميثم التمار، وهو كما يقول -ابن النديم-: (أول من تكلم في مذهب الإمامة) فإن المصادر جميعها لم تشر إلى (علي) من قريب أو بعيد، فضلًا عن أن (عليًّا) أول من فكر في مسألة الإمامة وتكلم بها لا إسماعيل أبوه! . ومن هذا كله يتبين لنا أن المازني لم يفكر في (إمامة) ولا كان غلامًا لإمامي، وربما كان ذلك من وضع الواضعين. أما ياقوت ومن ذهب مذهبه فقد خلط بين كونه إماميًا وقوله بالإرجاء، ومعلوم أن بونًا شاسعًا بين المذهبين بل هما على طرفي نقيض. فالإمامية تقول: إن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - نص على خلافة عليّ - رضي الله عنه - وقد اغتصبها أبو بكر وعمر (رضي الله عنهما)، وتبرؤوا منهما، وقدحوا في امامتهما) بينما نرجئ فرقة -وهي المرجئة- إمامة الشيخين إلى الله فلا تلعن ولا تتبرأ ونقول:(كلهم ثقة ... فنحن لا نتبرأ منهما ولا نلعنهما -ولا نشهد عليهما- ونرجئ أمرهما إلى الله حتى يكون الله هو الذي يحكم بينهما).