للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وأنه أظهر شيئًا من الميل إلى فئة دون أخرى في وقت ثم آمن بفكرة ثانية في وقت آخر حتى اطمأن أخيرًا إلى مذهب أهل السنة والجماعة. وعلى أية حال فقد كان للرواة في تفكيره الديني مذاهب متفاوتة ولعل الأهواء والعواطف لعبت دورًا كبيرًا في نسبته إلى المذاهب الدينية.

فقد نقل عنه أنه رمى بمذاهب أهل الاعتزال والقدرية، لأنه كان يختلف إلى الأصمعي وروى في ذلك ياقوت الحموي حادثة وقعت بينه والأصمعي وأنه كان يتهرب من إجابة الأصمعي عندما كان يسأله الأخير أن يفسر له آية من القرآن على مذاهب المعتزلة، فعن أبي جعفر الطبري قال: (حضرت مجلس أبي عثمان، وقد قيل له: لم قلت روايتك عن الأصمعي؟ قال: رميت عنده بالقدر والميل إلى مذاهب أهل الاعتزال فجئته يومًا وهو في مجلسه، فقال لي: ما تقول في قول الله عزَّ وجلَّ: {إِنَّا كُلَّ شَيءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}؟ قلت: سيبويه، يذهب إلى أن الرفع فيه أقوى من النصب في العربية لاستعمال الفعل المضمر، وأنه ليس ها هنا شيء بالفعل أولى، ولكن أبت عامة القراء إلا النصب، ونحن نقرؤها كذلك اتباعًا، لأن القراءة سنة، فقال لي: ما الفرق بين الرفع والنصب في المعنى؟ فعلمت مراده، فخشيت أن تُغرى بي العامة فقلت الرفع بالابتداء والنصب بإضمار فعل وتعاميت عليه)، وهذا دليل على أنه لم يتمذهب بالاعتزال ولا جارى حملة هذا المذهب ومفكريه.

ولم يؤثر عنه أنه تمذهب لأحد الفقهاء كأبي حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل، ولعل هذه المذاهب لم تكن نضجت بعد ولم تأخذ سبيلها في عامة الناس، فكان نصيب المازني منها كنصيب غيره.

ولكن البيهقي وحده نقل عنه، عندما جاءه بريد الخليفة المتوكل يريد إشخاصه إليه أنه قال: (بينا أنا قاعد في المسجد إذا صاحب بريد قد دخل وهو يسأل عني، ويقول: أيكم المازني؟ فأشار النّاس إلي فقال أجب، قلت: من؟ ومن أجيب؟ قال: الخليفة. فذعرت منه وكنت رجلا فاطميًا، فظننت أن اسمي رفع فيهم، فقلت أصلحك الله أتأذن لي أن أدخل منزلي فأودع أهلي وأتأهب لسفري؟ فقال افعل ... ). وهذه الرواية الوحيدة التي تخبر بأنه قال (وكنت رجلًا فاطميًا) ولما كان فاطميًا فيجب أن يذعر من الخليفة لأنه عباسي ثم يستمر البيهقي في الخبر حتى يجعل من المازني ذلك الإمام الجليل رجلًا عاطفيًا طائشًا يسمع نقرًا وراء ستارة الخليفة فيقول: (لولا جلالةُ أمير المؤمنين لرقصت عليه) ثم يجعل المازني رجلًا مذبذبًا قلقًا لا يثبت على رأي. يعطى حكمًا في مسألة نحوية، فإذا ظهر أنها مخالفة لرأي الخليفة يبدل حكمه إلى ما يوافق رأي الخليفة، فيأمر له بخمسمائة دينار ويحمل إلى البصرة. وهذا كله مخالف لصفات المازني ولما عرفناه من جلالة القدر والفضل والدين، وهذا كله يدل -أيضا على أن في الخبر ما هو موضوع، منتحل عليه. فإذا صح قوله: (وكنت رجلًا فاطميًا) فما قيمة تصريحه بفاطميته هنا، ثم لماذا انفرد البيهقي بهذا كله ولم يذكره غيره؟ ؟

ثم متى نشأت الفاطمية هذه، وهل هي إلا نسب لجماعة أقاموا دولة متأخرة في مصر في القرن الرابع الهجري؟ فكيف التوفيق إذن -بين