الإباضيون فينسبون إلى عبد الله بن إباض دورًا ثانويًا بالمقارنة مع جابر بن زيد الأزدي العماني الذي يعتبرونه إمام أهل الدعوة ومؤسس فقههم ومذهبهم ويجمع المؤرخون والمفكرون الإباضيون على أن عبد الله بن إباض كان يصدر في كل أقواله وأفعاله عن جابر بن زيد.
ويبدو لي أن جابرًا كان الإمام الروحي وفقيه الإباضية ومفتيهم وكان بالفعل هو الشخص الذي بلور الفكر الإباضي بحيث أصبح متميزًا عن غيره من المذاهب، بينما كان ابن إباض المسؤول عن الدعوة والدعاة في شتى الأقطار ولذلك سمته المصادر رئيس القعدة في البصرة وغيرها من الأمصار. وتاريخ الدعوة الإباضية يشير إلى اشتراك بعض الأشخاص البارزين والمجتهدين في المسؤولية إلى جانب الإمام الأكبر لهم.
وقد حدث مثل ذلك زمن أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي الذي أناط المهام المالية والعسكرية والإشراف على سير الدعوة خارج البصرة إلى أبي مودود حاجب الطائي. ولما كان أبو عبيدة آنذاك معروفًا لدى الناس بأنّه شيخ الإباضية وزعيمها في البصرة فإن المصادر لم تخلط بينه وبين حاجب الطائي كما فعلت مع جابر وابن إباض، وذلك لأنَّ جابرًا كان قد أخفى معتقده واستعمل التقية الدينية فلم يخطر على بال أحد أنَّه زعيم الإباضية ومؤسس مذهبها، وخاصة أنَّه لم يكن معروفًا لدى البصريين إلا بكونه أحد التابعين المحدثين الثقات ومن أشهر فقهاء البصرة وعلمائها. والواقع أن جابرًا كان ذا علاقة وثيقة بحركة المحكمة الإباضية منذ وقت مبكر وأصبح أحد مفكريها البارزين منذ بداية النصف الثاني للقرن الأوّل الهجري وقبل مقتل أبي بلال مرداس عام (٦١ هـ).
وقد اكتسب ثقة أقرانه لعلمه ودينه فكانوا لا يصدرون في شيء إلا بعد مشورته. ولكن ذلك قد خفي على مخالفيهم ولم يعرفوا له هذا الدور.
ولذا نسبوا الفرقة إلى ابن إباض. وهو الشخص الذي قدموه ليناظر أعداءهم ويتكلم باسمهم علنًا.
وكان بذلك هو المعروف لدى عامة الناس فغلب اسمه على من اتفق معه في الرأي. كما أن مراسلاته مع الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان قد أقنعت كثيرًا من معاصريه بأنّه هو إمام الإباضية ومؤسسها ومن حق السامع أن يسأل لماذا لم يقم الإمام الحقيقي، جابر بن زيد، بالمراسلة مع الخليفة بدلًا من ابن إباض؟ والجواب يكمن في تصميم أتباع الفرقة بأن تبقى الحركة سرية بقدر الإمكان وأن يبقى اسم مؤسسها ومنظم دعوتها مستورًا حتى لا يبطش به الأعداء والولاة. وبذلك يقول الرقيشي (. . . بلغنا أن أبا بلال مرداس بن حدير وغيره من أئمة المسلمين لم يكونوا يخرجون إلا بأمر إمامهم في دينهم جابر بن زيد العماني رحمه الله، ويحبون ستره عن الحرب، لئلا تموت دعوتهم، وليكون ردءًا لهم).
ويقول قاسم بن سعيد الشماخي:(كان (ابن إباض) المجاهد علنًا، المناضل علنًا في سبيل تحقيق الحقائق، وتصحيح قضايا العقول، فيما أحدثه أهل المقالات والبدع من الزور والافتراء في شريعة ربنا، وكان شديدًا في الله تعالى، وله