وكان هو خزاز، وكان شيخ العارفين وقدوة السالكين وعَلَم الأولياء في زمانه" أ. هـ.
* طبقات الشافعية للسبكي: "وسئل عن قرب الله تعالى فقال: قريب لا بالتَّلاق، بعيد لا بافتراق" أ. هـ.
* قلت: ومن كتاب "الإمام الجنيد" نذكر ما نصّه: "ولكي نستشف ضياع الجنيد بين هاتين المدرستين (١) نورد رأي الدكتور بسيوني، كونه يمثل طريقةً في تناول الجنيد لعلنا لم نتبعها في كتابنا.
قال في كتابه "نشأة التصوف":
أما الجنيد فأهميته في مجال المعرفة أنَّه أصدق مثل لمرحلة الصحو لا المحو التي شهدنا آثارها وأفكارها وشطحاتها عند البسطامي والحلاج والشبلي.
قال: وصاحب اللمع يصور لنا هذه الفكرة بطريق غير مباشر حيث يشرح الجنيد شطحات الشبلي وأبي يزيد لأنَّ الرجل قد عانى على ما يبدو تجربة المحو ولكنه لزم الصحو، ويصور لنا السراج ذلك بطريق مباشر حين ينسب إلى الجنيد قوله: الشبلي رحمه الله سكران، ولو أفاق من سكره لجاء منه إمام ينتفع به.
قال: ولقد وقف الجنيد في تاريخ التصوف موقفًا له خطره إذ أراد فكرة التوفيق بين الحقيقة والشريعة فحاول أن ينظم المذهب الصوفي ويطوره حتى استحق لقب سيد الطائفة، وانتهت جهوده في ذلك إلى أنَّه لا مجافاة بين الحقيقة والشريعة؟ ! .
قال: وعلى الرغم من ذلك فإن الجنيد قد أثر عنه ما ينمُّ عن مروره بمنطقة المحو، وبدرت منه وهو في هذه المنطقة أحاديث لا تخلو من انحاء.
يقول:
قد كان يطربني وجدي فأقعدني ... عن رؤية الوجد ما في الوجد موجود
الوجد يطرب مَنْ في الوجد راحته ... والوجد عند شهود الحق مفقود
قال: ويعرف الجنيد التوحيد فيقول: معنى تضمحل فيه الرسوم وتندرج فيه العلوم، ويكون الله تعالى كما لم يزل.
ويقول: التوحيد الخروج من ضيق رسول الزمانية إلى سعة فناء السرمدية، وهذا الموقف الذي ينمُّ عن السكر لقي عند العطار دهشة لمخالفته لطابع الجنيد المعروف.
قال: ويبدو أنَّ الجنيد كان يحاول أن يوفق بين الشريعة والحقيقة في حياته بحيث ظهر ذلك في بعض أنماط سلوكه فقد كان يلبس لباس الفقهاء لا الصوفية، فلما سئل في ذلك قال: إنما الاعتبار بالحرفة وليس الاعتبار بالخرقة.
قال: والجنيد رغم أنَّه من أهل الصحو لا المحو لا يكتمنا رأيه الحقيقي في هذا الصدد، يقول: قالت النار يا رب لو لم أطعك هل كنت تعذبني
(١) يقصد بالمدرستين: مدرسة الصحو والمحو، والمحو: رفع أوصاف العادة بحيث يغيب الصد عندها عن عقله، ويحصل منه أفعال وأقوال لا مدخل لعقله فيها كالسكر من الخمر (معجم مصطلحات الصوفية (١٥٨). أما الصحو فهو: رجوع العارف إلى الإحساس بعد غيبته وزوال إحساسه (معجم مصطلحات الصوفية (١٠٨).