للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

بشيء مني؟ قال: نعم كنتُ أسلط عليك ناري الكبرى، قالت: وهل نارٌ أعظم مني وأشد؟ قال: نعم نار محبتي أسكنتها في قلوب أوليائي المؤمنين! ! .

ونختم بحثنا هذا بلا مناقشة بما يفرِّق به الأستاذ العفيفي بين مذهب الجنيد والبسطامي والحلاج في الصحو والسكر.

قال العفيفي في كتابه "الثورة الروحية في الإسلام":

ويفضل أبو يزيد وأصحابه السكر على الصحو، لأنَّ الصحو في نظرهم يقتضي وجود الصفات البشرية التي هي أعظم حجاب يحول بين العبد وربه، أما السكر فهو محوٌ لهذه الصفات، ورفعٌ لحجب الاختيار والتصرف والتدبير.

أما الجنيد وأصحابه فيفضلون الصحو على السكر، لأنَّ السكر يخرج العبد عن حالته الطبيعية ويفقده سلامة العقل الواعي والقدرة على التصرف والسكر في نظر الجنيد وأصحابه أشبه بميدان لعب الأطفال وأليق بالمبتدئين في الطريق الصوفي.

قال: لما قطع الحلاج صلته بعمرو بن عثمان! ! أتى إلى الجنيد فسأله الجنيد: ما جاء بك إلينا؟ فقال الحلاج: جئت لصحبة الشيخ. فقال الجنيد: أنا لا أصحب المجانين، إن الصحبة تقتضي كمال العقل فإن لم يكن ذلك فالعاقبة كما ترى من مسلكك من سهل بن عبد الله وعمرو بن عثمان المكي. فقال الحلاج: يا شيخ إن الصحو والسكر صفتان للعبد والعبد محجوب عن ربه حتى يفنى عن صفاته! ! فقال الجنيد: يا ابن منصور إنك أخطأت في الصحو والسكر، إن الصحو سلامة الحال مع الله، والسكر المبالغة في الشوق والمحبة، وليس واحد من هذين يُنال بالكسب. يا ابن منصور إن في كلامك حماقة ومخرقة) (١).

ثمَّ يتناول زهير ظاظا مسألة السماع وموقف الجنيد منها ويعرض لذلك كلام شيخ الإِسلام ابن تيمية من مجموع الفتاوى (١١/ ٥٣٤)، فيقول: "وأنا مضطر قبل عرض نماذج مما نسب إلى الجنيد من الأقوال في السماع إلى الإشارة إلى ما فسَّر به ابن تيمية هذا التناقض آملًا أن يكون ذلك مثلًا لمعرفة فهم المسلمين في القرن الثامن الهجري لاضطراب النص الصوفي.

قال ابن تيمية:

وأما الاستماع إلى القصائد الملحنة والاجتماع عليها، فأكابر الشيوخ لم يحضروا هذا السماع، كالفضيل بن عياض، وإبراهيم بن أدهم، وأبي سليمان الداراني، ومعروف الكرخي، والسري السقطي، وأمثالهم من المتأخرين كالشيخ عبد القادر، والشيخ عديّ بن مسافر، والشيخ أبي مدين، والشيخ أبي البيان، وأمثال هؤلاء المشايخ فإنهم لم يكونوا يحضرون هذا السماع.

وقد حضره طائفة من الشيوخ وأكابرهم ثمَّ تابوا منه ورجعوا عنه، وكان الجنيد رحمه الله تعالى لا يحضره في آخر عمره، ويقول: مَنْ تكلف السماع فُتن به، ومَنْ صادفه السماع استراح به.

قال: والذين حضروا السماع المحدث الذي جعله الشافعي من إحداث الزنادقة لم يكونوا


(١) الإمام الجنيد ص (٩٢ - ٩٣).