للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

* نفخ الطيب: "ذكر أبو حيان التوحيدي: أنه كان يشرب ويتخالع ويفارق هدى أهل العلم" أ. هـ.

* قلت: وقد ذكر الدكتور رفيدة في كتابه "النحو وكتب التفسير" نصوصًا على ميله للاعتزال، مع الهوامش بقوله: "أغلب المراجع التي ترجمت لأبي علي تقول: وكان متهمًا بالاعتزال، وهي عبارة تتفق عليها هذه المراجع ولا تزيد، فيبدو أن اعتزاله لم يكن معلنًا ولا ظاهرًا وقد رأيت في الإغفال ما يوحي بأنه كان يميل إلى هذا المذهب وذلك في تعليقه على ما ذكره أبو إسحاق في تفسير قوله تعالى: {قَال رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيكَ قَال لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَال سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} (١). فقد فسر مفردات هذه الآية تفسيرًا عامًا بالمعروف عن عقيدة أهل السنة والجماعة، دون نقاش، ففسر- تجلى مثلًا "بان" فقال: "فلما تجلى ربه للجبل وبان .. " (٢) ثم أجمل معنى الآية بما يؤكد هذه العقيدة وحكى عن قوم أن سؤال موسى - عليه السلام - ربه كان متعلقًا بأمر عظيم لا برؤيته سبحانه وأن معنى "تجلى ربه" تجلى أمر ربه، وقد رد أبو إسحاق هذا التأويل وقال: إنه غير معروف في اللغة قال: "وأنا أول المؤمنين بأنك لا ترى في الدنيا، وقال قوم: "وهذا معنى أرني أنظر إليك أرني أمرًا عظيمًا لا يرى مثله في الدنيا مما لا يحتمله نبيه موسى، قالوا فاعلمه الله أنه لا يرى ذلك الأمر، ومعنى فلما تجلى ربه للجبل أي تجلى أمر رب، وهذا خطأ لا يعرفه أهل اللغة ولا في الكلام دليل على أن موسى - عليه السلام - أراد أن يرى أمرًا عظيمًا من أمر الله تعالى وقد آتاه الله من الآيات ما لا غاية له بعده" (٣).

وهذا التأويل الذي رفضه أبو إسحاق هو معنى قول المعتزلة في تأويل هذه الآية وعليه يدور نظرهم لاعتقادهم استحالة الرؤية في الدنيا والآخرة وهي إحدى المسائل الأساسية في الخلاف بينهم وبين أهل السنة، وقد نسب الإمام القرطبي (٤) تقدير المضاف في "تجلى ربه" على النحو السالف إلى قطرب وغيره، وقطرب معروف باعتزاله (٥) والمذهبان يتفقان على استحالة الرؤية الجسمية المحددة الحاصرة.

وقد أثار قول أبي إسحاق في هذه الرواية أبا علي فوصفه بالتحامل وعرض به ولم أره يصفه بذلك في غير هذا الموضع، مما يدل على أن القوم الذين رد عليهم أبو إسحاق يعنيه أمرهم بهم ارتباط وهم المعتزلة، قال: "قال أبو علي أقول: إنّ ما ذهب إليه من تخطئة من قال: إن معنى "فلما تجلى ربه للجبل" تجلى أمر ربه للجبل وأن ذلك لا يعرفه أهل اللغة فاسد، وفشو هذا في اللغة وكثرته واشتهاره فيها أظهر وأوضح من أن يخفى على المبتدئين بالنظر في اللغة وفضلًا عن


(١) الأعراف: (١٤٣).
(٢) الوجيز للراحدي: (١/ ٢٩٨) بهامش معالم التنزيل.
(٣): (١/ ٢٩١ - ٢٩٨) للقاضي عبد الجبار.
(٤) ينظر الجامع لأحكام القرآن (٧/ ٢٧٨).
(٥) ينظر تاريخ الأدب العربي لبروكلمان: (٢/ ١٣٩).