للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

المتوسطين ومن جاوزهم، أنه لتعريض واضح، ثم "وفي التنزيل من هذا ما لا يضبط كثرة، وقد حكى النحويون وأهل اللغة من هذا ما أغنوا عن إكثارنا فيه وإثباتنا له في هذا الكتاب" ثم ذكر بعض الآيات التي جاء فيها "أمر" مصرحًا به مضافًا للباري سبحانه وتعالى مثل {هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ} (١) وبعض الآيات التي لم يصرح فيها بالأمر وهو مراد بدليل نظائرها إلى أن قال: "والمضاف إليه في هذه المواضع قد أقيم مقام المضاف، وما أرى هذا الذي قاله في هذا إلا تحاملًا، ودافع هذا في اللغة كدافع الضرورات وجاحد المحسوسات في غير اللغة، وأبيات الكتاب لاشتهارها يستغني عن ذكرها، ثم ذكر شواهد شعرية بلغت سبعة من غير الكتاب لحذف المضاف، وهو على حق فيما قرره ومعروف.

ويظهر أن أبا إسحاق يعني الحذف في هذه الآية بالذات لقوله: "وهذا خطأ لا يعرفه أهل اللغة ولا في الكلام دليل ... " فمنعه لعدم الدليل لا لأنه لا يقول بجواز حذف المضاف عند وجود الدليل، ولكن أبا علي جعلها قضية عامة في حذف المضاف وشن حملته عليه، وهو من الاختلاف في الاجتهاد والتفسير لاختلاف البواعث.

وذكر أبو علي بعدما سبق اعتراضه على إنكار أبي إسحاق أن يكون طلب موسى رؤية أمر عظيم هو في غنى عنه لما أراه الله سبحانه من الآيات العظام مثل جعل العصا ثعبانًا، قال: "وأما دفعه أن يسأل موسى أمرًا عظيمًا لما آتاه الله من الآيات العظيمة فمن ذلك لا ينكر لموسى أن يطلبه وإن كان الله عزَّ وجلَّ قد آتاه من الآيات آيات باهرة لأنهم كانوا يقترحون عليه الآيات مع هذه الآيات التي أوتيها وشقالونه إياها" وقد ذكر لذلك بعض الأدلة والنظائر ولكنه ختم كلامه بالقول: "إن هذا التقدير -تقدير المضاف- إنما يحتاج إليه إذا كان السؤال أو الطلب لرؤية أمر عظيم أما إذا كان "إنما سأله عما سأله فلا حذف في الكلام" (٢) والمعتزلة يجيزون أيضًا -أن يطلب موسى رؤية الله سبحانه وإن كانت مستحيلة عندهم، يقول القاضي عبد الجبار في حديثه عن هذه الآية: "وقد يسأل السائل عما لا يجوز إذا كان في ورود الجواب غرض يتعلق به أو بغيره" (٣).

وعلى أي حال فإن حديث أبي علي في هذه الآية وحملته على تأويل أبي إسحاق لها يدعواني إلى الاعتقاد بأن به ميلًا إلى الاعتزال.

وقد ذكر ابن هشام أن أبا علي الفارسي قال في قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} (٤) أن رهبانية منصوب بفعل يفسره المذكور من باب الاشتغال وأن ابن الشجري اعترض عليه بأن المنصوب في هذا الباب شرطه أن يكون مختصًا ليصح رفعه


(١) النحل: (٣٣).
(٢) ينظر الأغفال: (٢/ ٨٠٦ - ٨١٦) "م ٥ / من سورة الأعراف".
(٣) متشابه القرآن: (١/ ٢٩٢).
(٤) الحديد: (٢٧).