وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} يقول: قال العالم موسى بن جعفر: إن رسول الله لما أوقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في يوم الغدير موقفه المشهور المعروف، ثم قال: يا عباد الله انسبوني، فقالوا: أنت محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، ثم قال: يا أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، فنظر إلى السماء وقال: اللهم اشهد بقول هؤلاء -وهو يقول ويقولون ذلك ثلاثا- ثم قال: ألا فمن كنت مولاه وأولى به فهذا علي مولاه وأولى به، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، وأخل من خله، ثم قال: قم يا أبا بكر له بإمرة المؤمنين، فقام وبايع له، ثم قال: قم يا عمر فبايع له بإمرة المؤمنين، فقام فبايع له، ثم قال بعد ذلك لتمام التسعة رؤساء المهاجرين والأنصار فبايعوا كلهم، فقام من بين جماعتهم عمر بن الخطاب فقال: بخ بخ يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاه ومولى كل مؤمن ومؤمنة، ثم تفرقوا عند ذلك وقد وكدت عليهم العهود والمواثيق. ثم إن قومًا من متمرديهم وجبابرتهم تواطئوا بينهم لئن كان محمّد كاننة ليدفعن هذا الأمر من علي ولا يتركونه، فعرف الله ذلك إلى الله وإليك هالينا فكفيتنا مؤنة الظلمة لنا، والمتجبرين في سياستنا، وعلم الله من قلوبهم خلاف ذلك من مواطأة بعضهم لبعض أنهم على العداوة مقيمون، ولدفع الأمر عن مستحقه مؤثرون، فأخبر الله عزَّ وجلَّ محمّدًا عنهم فقال: يا محمّد {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ} الذي أمرك بنصب علي إمامًا وسايسًا لأمثك ومدبرًا، {وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} بذلك، ولكنهم يتواطئون على إهلاكك وإهلاكه. يوطنون أنفسهم على التمرد على علي إن كانت بك كائنة) أ. هـ.
وعند قوله تعالى في الآية (١٣) من سورة البقرة {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ} يقول: "قال موسى بن جعفر: إذ قيل لهؤلاء الناكثين للبيعة، قال خيار المؤمنين كسلمان والمقداد وأبي ذر وعمار: آمنوا برسول الله وعلى الذي أوقفه موقفه وأقامه مقامه وأناط مصالح الدين والدنيا كلها به، وآمنوا بهذا النبي وسلموا لهذا الإمان، وسلموا له في ظاهر الأمر وباطنه كما آمن الناس المؤمنين كسلمان والمقداد وأبي ذر وعمار، قالوا في الجواب ولكنهم يذكرون لمن يفضون إليه من أهلهم والذين يثقون بهم من المنافقين ومن المستضعيفين من المؤمنين الذين هم بالستر عليهم واثقون بهم، يقولون لهم:{أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ} يعنون سلمان وأصحابه لما أعطوا علينا خالص ودهم ومحض طاعتهم، وكشفوا رؤوسهم بموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه حتى أن اضمحل أمر محمّد طحطحهم أعداؤه، وأهلكهم سائر الملوك والمخالفين لمحمد، فهم بهذا التعرض لأعداء محمد جاهلون سفهاء، قال الله عزَّ وجلَّ:{أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ} الأخفاء العقول والاراء، الذين لم ينظروا في أمر محمّد حق النظر فيعرفوا نبوته، ويعرفوا صحة ما ناطه بعلمه من أمر الدين والدنيا، حتى بقوا لتركهم تأمل حجج الله جاهلين، وصاروا خائفين وجلين من محمّد وذريته ومن مخالفيهم، لا يأمنون أيهم يغلب فيهلكون معه، فهم السفهاء حيث لا يسلم لهم بنفاتهم هذا لا محبة محمّد والمؤمنين ولا محبة