فمن المواضع التي تدل علي تأثره بالسلوك الصوفي وأقوال الصوفيين كما في (١/ ٤) قوله في مقدمته في الدعاء والصلاة علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والصحابة والتابعين ومن تبعهم إلي يوم الدين:
"والصلاة والسلام علي عبيد، المخصوصين بتأييدك، المنزهين عن الأدناس الجسميَّة، المطهرين عن الأرجاس النفسية، الفائزين بأشرف مراتب الأنس، الواصلين إلي أعلي مدارج الأنس، الضاربين في أرقي معارج القدس، ولا سيما المصطفي محمّد الذي أشرق في سماء النبوة بدرًا، وأشرف على بساط الرسالة صدرًا، سيد الثقلين وسند الخافقين، إمام المتقين ورسول رب العالمين الكائن نبيًّا وآدم الكائن بين الماء والطين، والمعفر له جباه الأملاك، المشرف بلولاك لما خلقت الأفلاك، صلي الله عليه وعلي آله مفاتيح الجنة وأصحابه مصابيح الدجنة وسلم تسليمًا كثيرًا".
وقوله نقلًا عن أهل الإشارة -أي الصوفية- في تفسيره لسورة الفاتحة (١/ ٦٣) كلامًا عن "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ":
"قال أهل الإشارة الباء حرف منخفض في الصورة، فلما اتصل بكتابة لفظ "الله" ارتفعت واستعلت. فلا يبعد أن القلب إذا اتصل بحضرة الله يرتفع حاله ويعلو شأنه".
وأيضًا:"قال أهل الإشارة: الأصل في قولنا "الله" الإله وهو ستة أحرف ويبقي بعد التصرف أربعة في اللفظ: ألف ولامان وهاء، فالهمزة من أقصي الحلق، واللام من طرف اللسان، والهاء من أقصي الحلق، وهذه حال العبد يبتدئ من النكرة، والجهالة ويترقي قليلًا قليلًا في مقامات العبودية حتى إذا وصل إلي آخر مراتب الوسع والطاقة ودخل في عالم المكاشفات والأنوار، أخذ يرجع قليلًا قليلًا حتى ينتهي إلي الفناء في محر التوحيد كما قيل: النهاية رجوع إلي البداية".
وقد تكلم النيسابوري حول الاسم والمسمي: ثم ذكر قول أهل التصوف وغيرهم في الرأي بالاسم الأعظم لله تعالي قوله وإليك (١/ ٦٥): "هل لله تعالي بحسب ذاته المخصوصة اسم أم لا؟ ذكر بعضهم أن حقيقته تعالي لما كانت غير مدركة للبشر فكيف يوضع له اسم مخصوص بذاته؟ وما الفائدة في ذلك؟ أقول: لا ريب أن الإدراك التام عبارة عن الإحاطة التامة، والمحاط لا يمكن أن يحيط بمحيطه أبدًا، وأنه تعالي بكل شيء محيط فلا يدركه شيء مما دونه كما ينبغي، إلا أن وضع الاسم للذات لا ينافي عدم إداركه كما ينبغي، وإنما ينافي عدم إدراكه مطلقًا. فيجوز أن يقال الشيء الذي تدرك منه هذه الآثار واللوازم مسمي بهذا اللفظ، وأيضًا إذا كان الواضع هو الله تعالى وأنه يدرك ذاته لا محالة علي ما هو عليه، فله أن يضع لذاته اسمًا مخصوصًا لا يشاركه فيه غيره حقيقة، وإذا كان وضع الاسم لتلك الحقيقة المخصوصة ممكنًا فينبغي أن يكون ذلك الاسم أعظم الأسماء وذلك الذكر أشرف الأذكار، لأن شرف العلم والذكر بشرف المعلوم والمذكور. فلو اتفق لعبد من عبيده المقربين الوقوف علي ذلك الاسم حال ما يكون قد تجلي له معناه، لم يبعد أن تنقاد له عوالم الجسمانيات والروحانيات. ثم القائلون بأن الاسم الأعظم موجود اختلفوا فيه علي وجوه. منهم من قال: