اليوم، وذوي المشاركة التامة في كثير من العلوم كالفقه والأصلين والتصوف والمنطق وغيرها. دؤب على نشر العلم درسًا وتأليفًا وقد بلغت مؤلفاته (٣٠)، كلها تدل على تضلعه وتحقيقه، وجودة نظره" أ. هـ.
• قلت: هو مفتي الديار المصرية السابق، وعضو جماعة كبار العلماء وعند مراجعة تفسيره هذا يتضح للقارئ الكريم منهجه الاعتقادي فيه وهو المذهب الذي كانت عليه الأمة والسلف الصالح، ونذكر هنا بعض كلامه في مقدمته وخلال تفسيره لآيات الله تعالى:
قال في المقدمة (١/ ٨) في بحث المحكم المتشابه من القرآن الكريم:
"من آيات القرآن آيات محكمات هن أم الكتاب وأصله، وأخر متشابهات".
والمحكم: ما عرف المعنى المراد منه. والمتشابه: ما استأثر الله تعالى بعلمه، كقيام الساعة، والحروف المقطعة في فواتح السور.
وقيل: الحكم ما لا يحتمل من التأويل بحسب وضع اللغة إلا وجهًا واحدًا. والمتشابه: ما احتمل أوجهًا عديدة واحتاج إلى النظر؛ لحمله على الوجه المطابق.
وقيل: المحكم ما اتضح معناه. والمتشابه بخلافه. وهناك أقوال أخرى في تفسيرهما. وسيأتي لذلك مزيد من بيان أول سورة آل عمران.
وجعل الخطابي المتشابه على ضربين: أحدهما ما إذا رد إلى المحكم واعتُبر به عُرف معناه. والآخر ما لا سبيل إلى الوقوف على حقيقته. فمن المتشابه ما يمكن الاطلاع على معناه، ومنه ما لا يعلمه إلا الله تعالى.
ومن المتشابه آيات الصفات؛ نحو: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} {كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إلا وَجْهَهُ} {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَينِي} {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيدِيهِمْ} {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْويَّاتٌ بِيَمِينِهِ}. ومنه أحاديث الصفات.
ومذهب جمهور أهل السنة -ومنهم سفيان الثوري وابن المبارك وابن عُيينة ووكيع، والأئمة الأربعة- أنه يجب الإيمان بها وتفويض علم معناها المراد منها إلى الله تعالى، وترك تأويلها مع تنزيهه تعالى عن حقيقتها؛ لاستحالة مشابهته تعالى للحوادث؛ قال تعالى: {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.
عن أم سلمة - رضي الله عنها - في تفسير قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}: الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإقرار به من الإيمان، والجحود به كفر.
وعن مالك فيه: الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
وعن محمّد بن الحسن: اتفق الفقهاء كلهم على الإيمان بالصفات من غير تفسير ولا تشبيه.
وقال ابن الصلاح: على هذه الطريقة مضى صدر الأمة وساداتها، وإيّاها اختار أئمة الفقهاء وقادتها، وإليها دعا أئمة الحديث وأعلامهم.
وقال إمام الحرمين أخيرًا (١) في الرسالة النظامية:
(١) وقصده (أخيرًا) أي بعد رجوعه عن علم الكلام ومذهب الأشاعرة في تأويل الأسماء والصفات، إن مذهب سلف الأئمة، والذي ذكره صاحب التكملة عن إمام الحرمين هو قوله الأخير بعد رجوعه عن ذلك.