الذي نرتضيه دينًا، وندين به عقدًا، اتباع سلف الأمة، فإنهم درجوا على ترك التعرض لمعانيها.
وممن ذهب إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، والإمام ابن القيم ومن تبعهما، وكثير من المفسرين كالبغوي والرازي والجلالين والآلوسي، وصاحب فتح البيان، وغيرهم.
وذهبت طائفة من أهل السنة إلى تأويل هذه الآيات والأحاديث الواردة في الصفات بما يليق بجلاله تعالى، مع تنزيهه عن حقيقتها؛ وهو مذهب الخلف.
وقال الإمام الرازي: إن الذي اختاره الأئمة المحققون من السلف والخلف ترك الخوض في تعيين التأويل، بعد إقامة الدليل القاطع على أن حمل اللفظ على ظاهره محال.
ومن المتشابه: الحروف المقطّعة في أوائل السور، فقد افتتحت تسع وعشرون سورة في القرآن بنصف أسماء حروف المعجم؛ وهي: الألف واللام، والميم والصاد، والراء والكاف، والهاء والياء، والعين والطاء، والسين والحاء، والقاف والنون.
فالمبدوء منها بالألف واللام ثلاثة عشر، وبالحاء والميم سبعة، وبالطاء أربعة، وبكل من الكاف والياء والصاد والقاف والنون واحدة. وبعض هذه الحروف المبدوء بها أحادى، وهو: ص، ق، ن. وبعضها ثنائي، وهو: طه، وطس، ويس، حم. وبعضها ثلاثي، وهو: الم، والر، وطسم. وبعضها رباعي، وهو: المص، والمر. وبعضها خماسي، وهو: كهيعص، وحم. عسق. ولا تزيد على ذلك.
والمختار فيها كما ذكره الجلال في الإتقان-: أنها من الأسرار التي لا يعلمها إلا الله تعالى.
وعن أبي بكر الصديق: في كل كتاب سر، وسرّه في القرآن أوائل السور.
وعن ابن عباس: عجزت العلماء عن إدراكها.
وعن الشعبي: هي سر الله فلا تطلبوه. وممن ذهب إلى ذلك عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وسفيان والربيع.
وخاض في معناها آخرون؛ فقال بعضهم: إن كل حرف منها مأخوذ من اسم من أسمائه تعالى؛ والعرب تنطق بالحرف الواحد، تدل به على الكلمة التي هو منها. وقيل: هي أسماء للسور. قال الزمخشري: وعليه إطباق الأكثر.
وأما الحكمة التي اقتضت إيراد هذه الحروف في أوائل السور مع قطع النظر عن معانيها في أنفسها فقيل: إنما ذكرت في مفتتح السور بيانًا لإعجاز القرآن، وأنه كلمات مركبة من حروف الهجاء التي تتألف منها الكلمات التي ينطقون بها، وقد عجز الخلق عن معارضته؛ فلو لم يكن وحيًا من عند الله تعالى لم تتساقط مقدرتهم دون معارضته. حكاه الرازي عن المبرد وجمع من المحققين، وحكاه القرطبي عن الفراء، ورجحه الزمخشري، وإليه ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ المزي.
وقد ذكر العلماء لوقوع المتشابه في القرآن فوائد، منها في المتشابه الذي يمكن علمه: أنه يوجب مزيد المشقة في الوصول إلى المراد، وهي توجب مزيد الثواب. ومنها: ظهور التفاضل وتفاوت درجات الخلق في معرفة القرآن، إذ لو