للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

في الكون، فجمعت هذه الآية العلية تفصيل المفصلات وانبهام صورة المداديات بنسبة ما بين السماء وما منه، وجعل وسع الكرسي وسعًا واحدًا".

وقال في صفة (اليد) (٢/ ٤٩٦):

" {وَقَالتِ الْيَهُودُ} معبرين عن البخل والعجز جرأة وجهلًا بأن قالوا ذاكرين اليد لأنها موضع القدرة وإفاضة الجود والنصرة: {يدُ اللهُ} أي الذي يعلم كل عاقل أن له صفات الكمال {مَغْلُوْلَةٌ} أي فهو لا يبسط الرزق غاية البسط، وهذا كناية عن البخل والعجز من غير نظر إلي مدلول كل من ألفاظه على حياله أصلًا، كما قال تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [الإسراء: ٢٩]، ولم يقصد من ذلك غير الجود وضده، لا غل ولا عنق ولا بسط أصلًا، بل صار هذا الكلام عبارة عما وقع مجازًا عنه، كأنهما متعاقبان على معنى واحد، حتى لو جاد الأقطع إلى المنكب لقيل له ذلك، ومثل هذا كثير في الكتاب والسنة، منه الاستواء (وقالت: في السماء) المراد منه -كما قاله العلماء- أنه ليس مما يعبده المشركون من الأوثان، قال في الكشاف: ومن لم ينظر في علم البيان عمي عن تبصر حجة الصواب في تأويل أمثال هذه الآية، ولم يتخلص عن يد الطاعن إذا عبثت به".

وذكر الكلام فقال (٣/ ١٠٨):

"فقال {وَكَلَّمَهُ} أي من غير واسطة {رَبَّهُ} أي المحسن إليه بأنواع الاحسان المتفضل على قومه بأنواع الامتنان، والذي سمعه موسى عليه السلام عند أهل السنة من الأشاعرة هو الصفة الأزلية من غير صوت ولا حرف، ولا بعد في ذلك كما لا بعد في رؤية ذاته سبحانه وهي ليست بحسم ولا عرض ولا جوهر، وليس كمثله شيء، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سبحانه كلمه في جميع الميقات وكتب له الألواح، وقيل: إنما كلمه في أول الأربعين، والأول أولى".

وقال في قوله تعالى: {وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً} [هود: ٦٣]، في (٣/ ٥٤٩):

"أي أوامر هي سبب الرحمة".

وقال في "القرب" (٧/ ١٥٥):

"ولما كان العالم بالشيء كلما كان قريبًا منه كان علمه به أثبت وأمكن، قال ممثلًا لعلمه ومصورًا له بما نعلم أنه موجبه: {وَنَحْنُ} بما لنا من العظمة {أَقرَبُ إِلَيهِ} قرب علم وشهود من غير مسافة {مِنْ حَبْلِ الْوَريدِ} لأن أبعاضه وأجزاءه تحجب بعضها بعضًا، ولا يحجب علم الله شيء، والمراد به الجنس" أ. هـ.

قلت: وما نقلناه من تأويلات لأسماء الله تعالى وصفاته مما يدل على توجهه الأشعري في إثبات وتأويل تلك الصفات، ومن أراد المزيد فليراجع تفسيره المذكور .. والله أعلم بالصواب.

قلت: ولقد كان برهان الدين البقاعي، ممن تصدوا إلي الصوفية، وقد ألف في الردِّ على أبي عربي كتابًا يفضح فيه مقالات ابن عربي في وضوحه وما اعتقده من الزندقة والكفر، وسماه "تنبيه الغبي في تكفير ابن عربي"، وهو في ذلك تسديدًا على الصوفية في اعتقادهم على ما اعتقده ابن عربي، وقد ذكر "عبد الرحمن الوكيل" في مقدمته للكتاب، وقد سماه "مصرع التصوف"