خفيف كخفته على من هذا حاله، وليس المراد أن هناك إصبعًا أصلًا -نبه على ذلك حجة الإسلام الغزالي، ومنه أخذ الزمخشري أن يد فلان مبسوطة كناية عن جواد وإن لم يكن هناك يد ولا بسط أصلًا".
أما في الرؤية فقد قال (١/ ١٣٦):
"وقال تعالى: (وُجُوة يَوْمَئِذٍ نَاظِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: ٢٢ - ٢٣] وقال عليه الصلاة والسلام: "إنكم ترون ربكما فالاسم المذكور لمعنى الرؤية إنما هو الرب لما في اسم الله تعالى من الغيب الذي لا يذكر لأجله إلا مع ما هو فوت لا مع ما هو في المعنى نيل، وذلك لسر من أسرار العلم بمواقع معاني الأسماء الحسنى فيما يناسبها من ضروب الخطاب والأحوال والأعمال، وهو من أشرف العلم الذي يفهم به خطاب القرآن حتى يضاف لكل اسم ما هو أعلق في معناه وأولى به وإن كانت الأسماء كلها ترجع معاني بعضها لبعض".
وقال في صفة الصبغة (١/ ٢٥٦): "وجعل الحرالي {صَبْغَةَ اللهِ} أي هيئة صبغ الملك الأعلى التي هي حلية المسلم وفطرته كما أن الصبغة حلية المصبوغ حالًا تقاضاها معنى الكلام، وعاب على النحاة كونهم لا يعرفون الحال إلا من الكلم المفردة ولا يكادون يتفهمون الأحوال من جملة الكلام، وقال: الصيغة تطوير معاجل بسرعة وحيه، وقال: فلما كان هذا التلقين تلقينًا وحيًا سريع التصيير من حال الضلال المبين الذي كانت فيه العرب في جاهليتها إلى حال الهدى المبين الذي كانت فيه الأنبياء في هدايتها من غير مدة جعله تعالى صبغة كما يصبغ الثوب في الوقت فيستحيل من لون إلى لون في مقابلة ما يصبغه أهل الكتاب باتباعهم المتبعين لهم في أهوائهم في نحو الذي يسمونه الغِطاس {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ} أي الذي له الكمال كله {صِبْغَةً} لأنها صبغة قلب: لا تزول لثباتها بما تولاها الحفيظ العليم، وتلك صبغة جسم لا تنفع، وفيه إفهام بما يختص به الذين آمنوا من انقلاب جوهرهم نورًا، كلما قال عليه الصلاة والسلام: اللهم اجعلني نورًا! فكان ما انقلب إليه جوهر الأئمة انصبغت به قلوب الأمة".
وقال فِي معنى الكرسي (١/ ٤٩٧):
"ثم بين ما في هذه الجملة من إحاطة علمه وتمام قدرته بقوله مصورًا لعظمته وتمام علمه وكبريائه وقدرته بما اعتاده الناس في ملوكهم:{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ} ومادة كرس تدور على القوة والاجتماع والعظمة والكرس الذي هو البول والبعر المبلد مأخوذ من ذلك. وقال الأصفهاني: الكرسي ما يجلس عليه ولا يفضل عن مقعد القاعد، وقال الحرالي: معنى الكرعى هو الجمع، فكل ما كان أتم جمعًا فهو أحق بمعناه، ويقال على المرقى للسرير الذي يسمى العرش الذي يضع الصاعد عليه قدمه إذا صعد وإذا نزل وحين يستوي إن شاء: كرسي، ثم قال: والكرسي فيه صور الأشياء كلها جميعًا بدت آيته في الأرض التي فيها موجودات الأشياء كلها، فما في الأرض صورة إلا ولها في الكرسي مثل، فما في العرش إقامته ففي الكرسي أمثلته، وما في السماوات إقامته ففي الأرض صورته، فكان الوجود مثنيًا كما كان القرآن مثاني إجمالًا وتفصيلًا في القرآن ومدادًا وصورًا