للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الواضحات. ثم يقول صاحب "روضات الجنات" عن الراغب: "نعم في كثرة روايته عن أهل البيت المعصومين، وتعبيره عن سيدنا الإمام الهمام علي بن أبي طالب بأمير المؤمنين المطلق وعدم نقله عن سائر الخلفاء مهما استطاع هداية المتدرِّب الفطن إلى رشده وهدايته".

فرجع الأمر كله إلى ما سبق أن أشرنا إليه من إجلال علي - رضي الله عنه - وتسميته بأمير المؤمنين، فأما عدم نقله عن سائر الخلفاء مهما استطاع، فهذا كلام لا يصح لأنه ينقل عن سائر الخلفاء الراشدين ولا يفرق بين واحد وواحد، كل ما هنالك أن الذي يتحكم في النقل طبيعة الموضوع وطبيعة المروي عن الخلفاء ودلالته بالنسبة لما يستشهد به عليه.

ورغم هذا الاختلاف المذهبي بين الشيعة من جانب والراغب الأصفهاني من جانب آخر فإنهم يقدرونه ويحترمونه لما سبق أن أشرنا إليه من بعض عباراته في تمجيد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بل ربما يستفيدون من كتبه اللغوية خاصة وكما يشير إلي ذلك صاحب "روضات الجنات": "وكفاه منقبة أن له قبول العامة والخاصة وفيما تحقق له من اللغة خاصة"- يريد بقوله: العامة والخاصة: السنة والشيعة.

وكما رجح صاحب "روضات الجنات" أنه أشعري الأصول كذلك رجح أنه كان من الشافعية في الفروع حيث يقول: "وكان من الشافعية كما استفيد لنا من فقه محاضراته".

ورغم أن الراغب سنيٍّ غيرُ شيعي بيقين إلا أنه لا يمكن حصره في واحد من مذاهب أهل السنة والجماعة نظرًا لِسَعَةِ إدراكه وبُعدِ نظراته، وقدرته على استيعاب وجوه الخلاف وتصحيحه للأقوال المتباينة باعتبارات متعددة) أ. هـ.

ثالثًا: قول محقق كتاب "الذريعة إلى مكارم الشريعة" (١) الدكتور أبي اليزيد العجمي، قال في مقدمة حول اعتقاد الراغب الأصبهاني وما اتهم به (ص ٢٦) ما نصه: (اتهام الراغب الأصفهاني بالتشيع والاعتزال:

وضح من الإشارات السابقة أن الراغب لم يكن من رجال الدولة ولا مشايعًا لحزب معين فيها، وقد عرف عن الراغب كذلك أنه لم يمحص كتابًا بعينه ليرد به على مذهب أو طائفة، وإنما كان جل اهتمامه بالإنسان وقضاياه في معاشه ومعاده (٢).

يضاف إلى هذا الغموض الذي شاب سيرة حياته، ولم يكن الغموض خاصًّا بأسفاره وأعماله، وإنما تخطى ذلك إلى مذهبه وانتمائه الفكري، وكان من نتيجة هذا أن عدّه أصحاب التراجم السنية عالمًا من علماء أهل السنة، كما عدّه أصحاب التراجم الشيعية علمًا وحكيمًا من حكمائهم، ونتج عن كل هذه الظروف أن ألصقت به تهمة التشيع حينًا، وتهمة الاعتزال حينًا آخر، وواضح أن هذا الاتهام لم يكن في حياته، وإنما كان بعد موته ولدى من ترجموا له،


(١) "الذريعة إلى مكارم الشريعة" تحقيق ودراسة الدكتور أبو اليزيد العجمي، الطبعة الثانية لسنة (١٤٠٨ هـ- ١٩٨٧ م) دار الوفاء.
(٢) عباس محمّد أحمد (الراغب ومنهجه في المفردات) (ص ٩٦). نقلًا عن هامش المحقق.