ذلك من لفظ "جَبَرَ" المرويّ في قوله: "لا جبر ولا تفويض" لا من لفظ "الإجبار". وأنكر جماعة من المعتزلة ذلك من حيث المعنى فقالوا: يتعالى الله عزَّ وجلَّ ذلك، وليس ذلك بمنكر فإن الله تعالى قد أجبر الناس على أشياء لا انفكاك لهم منها حسبما تقتضيه الحكمة الإلهية، لا على ما تتوهمه الغواة الجهلة، وذلك كإكراههم على المرض والموت والبعث، وسخّر كلًّا منهم لصناعة يتعاطاها وطريقةٍ من الأخلاق والأعمال يتحراها، وجعله مُجبرًا في صورة مخيّر فإمّا راضٍ بصنعته لا يريد عنها حِوَلًا، وإما كاره لها يكابدها مع كراهيته لها لا يجد عنها بدلًا، ولذلك قال تعالى:{فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَينَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيهِمْ فَرِحُونَ} وقال عزَّ وجلَّ: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَينَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، وعلى هذا الحدّ وصف بالقاهر وهو لا يقهر إلّا على ما تقتضي الحكمة أن يقهر عليه.
وواضح من هذا النص ردُّه على قول المعتزلة واستعماله لمصطلح الأشاعرة: مجبر في صورة مخير. وذلك كما قلنا لا يكفي دليلًا جازمًا على أنه كان يلتزم مذهب الأشاعرة دائمًا.
ولم ينحصر الخلاف بين المترجمين للراغب في كونه أشعريًا أو معتزليًا، بل إن بعض كتاب الشيعة ترجم له في طبقات أعلام الشيعة، فقد قال آغا بزرك الطهراني في كتابه طبعات أعلام الشيعة: اختلف في كونه شيعيًا، والعامّة صرّحوا بكونه من عامة المعتزلة، وكذا بعض الخاصة، لكن الشيخ حسن بن علي الطبرسي صاحب كامل بهائي صرح في آخر كتابه أسرار الإمامة أنه من حكماء الشيعة الإمامية.
ويبدو أن الذين حاولوا نسبته إلى التشيُّع اعتمدوا في ذلك على بعض عباراته التي تجلُّ الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - كأن يقول عنه دائمًا "أمير المؤمنين"، أو أن يقول أحيانًا " - صلى الله عليه وسلم -" بدلًا من " - رضي الله عنه -" وقد صرّح بذلك الدكتور محمّد أحمد خلف الله أثناء تعريفه بالراغب في مقدمة تحقيقه لكتاب المفردات حيث قال: "وكما يختلف الناس في تاريخ وفاته يختلفون في مذهبه الديني فهو سني عند البعض وشيعي عند البعض ومن المعتزلة عند الآخرين" إلى أن يقول: "ويبدو لي من احترامه الشديد للإمام علي -كرّم الله وجهه- أنه كان من الشِّيعة ويذكر الشيخ حسن بن علي الطبرسي أنه كان من حكماء الشيعة الإمامية".
ولا شك أن هذا لايصلح دليلًا يعتمد عليه في مثل هذا المجال، وكما ذهب إلى ذلك صاحب "روضات الجنات" حيث قال: " .. وفي بعض الكتب أنه اختلف في تشيُّعه، وكأنه لما يتراءى من تقويته جانب الحق في بعض مصنّفاته، وأنت خبير بأن مثل ذلك لو كان دليلًا على حقيقة الرجل لما وجد للباطل بعد مصداق. كيف ولما يوجد بحمد الله لأشد النواصب إلى الآن مُصنّف لم يكن فيه شيء من مديح أهل البيت وشطر من مثالب مخالفيهم بالكتابة أو التصريح" ثم يقول بعد ذلك:
"وإذن فالمرجع في تشخيص المذهب الحق إلى الموافقة لأهله في جملة الضروريات والاقتفاء لآثارهم المحمودة في أصول المذهب وفروعه لا غير". ويقصد بذلك أن الراغب لم يكن كذلك بالنسبة للشيعة فهو لا يوافقهم في أصل المذهب كما لا يوافقهم في فروعه، وهذا من أوضح