ما نسبه إلى الرجل، فضلًا عن أن دراستنا للذريعة تثبت أن الراغب الأصفهاني يذكر في أكثر من موضع أن صفات الله سبحانه نعلمها من الكتاب والسنة، ويقرر أنه لو لم ترد صفات كالرؤف والرحيم في القرآن وصفا لله لما تجاسر أحد على وصفه بها لأن البشر يصفون أنفسهم بها، وهو العالم اللغوي يدرك الفرق بين إطلاق اللفظ بالنسبة لله سبحانه وبينه صفة للبشر المخلوقين.
وبهذا لم يبق لزاعم حجة، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. والله من وراء القصد) أ. هـ.
ثم قال الدكتور أبو اليزيد العجمي في الهامش معقبًا:
(الذريعة إلى مكارم الشريعة مبحث ذكر المكر والحيل والخديعة، وكذا الفصل السابع بمباحثه كلها هذا فضلًا عن عبارات عديدة تؤكد أنه ليس من النفاة للصفات كما زعم الزاعم) أ. هـ.
* قلت: لقد نقلنا قول بعض محققي كتب الراغب الأصبهاني، والذي يُلخص من بحثهم أن الراغب هو نسيجٌ وحده، فإنه يدور مع العلم أو الدليل الذي يظنه يقع بالصحيح عند مسألة ما، ولذلك لغزارة علمه وذكائه فإنه لا يقف عند مذهب ما في تحرير مسألة أو تحقيقها، فهو ليس شيعيًا كما ذكره أصحاب تراجم الشيعة ومصنفيهم، ولا هو معتزليًا كما قال محققو الكتب آنفًا، وليس هو بأشعري فمن غير المعقول أن تتلاقى أصول المعتزلة مع الأشعرية فإن بينهما لتنافرًا، وما كان أبو الحسن الأشعري قد حرر مذهبه قبل رجوعه إلا ردًّا على كثير من أصول وكلام المعتزلة، وإنما الراغب هو خليطًا بينهم، يأخذ بقول أحد على أساس الإقتناع بالدليل في تلك المسألة إن وافق الأشعرية وإن وافق أصل من أصول الشيعة، وهكذا. والذي قاله السيوطي في "البغية" نقلًا عن الزركشي في القواعد الصغرى لابن عبد السلام: حول ما ذكره - عن الإمام فخر الدين الرازي، وهو أحد علماء الأمة على مذهب الأشعرية في (تأسيس التقديس) في الأصول: أن الراغب من أئمة السنة انتهى أي -من الأشعرية-، وهكذا قول آخر يؤيد ما يذهب إليه القراء إلى أن الراغب نسيجٌ وحدهُ في أمر معتقدهِ. والله أعلم بالصواب.
إذًا فالرجل يأتي بالعلم وبمذهب على ما يقدمه من القول الذي يرتايه، وسوف ننقل إليك بعض المواضع من كتابه "مفردات ألفاظ القرآن" في تأويل بعض الصفات.
قال في مادة سوا (١): " ... ومتى عُدّيَ بعلى اقتضى معنى الاستيلاء، كقوله:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، وقيل معناه استوى له ما في السموات وما في الأرض، أي: استقام الكل على مراده بتسوية الله تعالى إياه، كقوله:{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ}، وقيل: معناه استوى كل شيء في النسبة إليه، فلا شيء أقرب إليه من شيء، إذ كان تعالى ليس كالأجسام الحالة في مكان دون مكان، وإذا عُدّيَ بإلى اقتضى معنى الانتهاء إليه إما بالذات أو بالتدبير وعلى الثاني قوله {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ}.