ورئيت في يده سبحة، فقيل له: أنت مع شرفك تأخذ سبحة في يدك؟ فقال: طريق وصلت به إلى ربي، لا أفارقه.
وكان رضي الله عنه من صغره منطقا بالمعارف والحكم، حتى إن خاله السري سئل عن الشكر والجنيد يلعب مع الصغار، فقال له: ما تقول يا غلام؟ فقال: الشكر ألاّ تستعين بنعمه على معاصيه، فقال السري: ما أخوفني عليك أن يكون حظك في لسانك، فقال الجنيد: فلم أزل خائفا من قوله هذا حتى دخلت عليه يوما بشيء كان محتاجا إليه، فقال لي: أبشر؛ فإني دعوت الله عزّ وجل أن يسوق لي ذلك على يد مفلح أو موفق. اللهم؛ إنا نسألك التوفيق.
قال رحمه الله: قال لي خالي: تكلم على الناس، وكان في قلبي حشمة من الكلام على الناس؛ فإني كنت أتهم نفسي في استحقاق ذلك، فرأيت النبي صلّى الله عليه وسلم في المنام وكانت ليلة جمعة، فقال لي: تكلم على الناس، فانتبهت، وأتيت باب السري قبل أن يفتح، فدققت الباب، فقال لي: لم تصدق حتى قيل لك هذا؟ ! فقعدت في غد للناس بالجامع، وانتشر في الناس أن الجنيد قعد يتكلم على الناس، فوقف علي غلام نصراني متنكرا وقال: أيها الشيخ؛ ما معنى قول رسول الله صلّى الله عليه وسلم:«اتقوا فراسة المؤمن؛ فإنه ينظر بنور الله» فأطرقت ساعة، ثم رفعت رأسي فقلت له: أسلم، فقد حان وقت إسلامك، فأسلم الغلام.
وفي ذلك كرامتان للجنيد: اطلاعه على كفر الغلام، وعلى أنه سيسلم في الحال، وكل ذلك باطلاع الله تعالى له تفضلا وتكرما.
قال الشيخ اليافعي: (وذكر بعض المشايخ أنه لما صنف عبد الله بن سعيد بن كلاّب كتابه الذي رتبه على جميع المذاهب .. قال: هل بقي أحد؟ قيل له: نعم، طائفة يقال لها:
الصوفية، قال: هل لهم من إمام يرجعون إليه؟ قيل: نعم، الأستاذ أبو القاسم الجنيد، فأرسل إليه يسأله عن حقيقة مذهبه، فأجابه أن مذهبنا إفراد القدم عن الحدث، وهجران الإخوان والأوطان، ونسيان ما يكون وما كان، فتعجب ابن كلاّب من هذا الجواب وقال:
هذا شيء أو كلام لا يمكن فيه المناظرة، ثم حضر مجلس الجنيد وسأله عن التوحيد، فأجابه بعبارة مشتملة على معارف الأسرار والحكم فقال: أعد علي ما قلت، فأعاده بعبارة