يقاربه، فاستنكر الملك مقالتهم، وطالبهم بإقامة البرهان على ذلك، فقعدوا عنده وحسبوه، وظهر له صدق قولهم فقال الملك لصصه: أنت في اقتراحك ما اقترحت أعجب حالا من وضعك الشطرنج.
قال القاضي ابن خلكان:(وطريق هذا التضعيف أن يضع الحاسب في البيت الأول حبة، وفي الثاني حبتين، وفي الثالث أربع حبات، وفي الرابع ثماني حبات، وهكذا إلى آخره، كلما انتقل إلى بيت .. ضاعف ما قبله وأثبته فيه، قال: ولقد كان في نفسي شيء من هذه المبالغة حتى اجتمع بي بعض حساب الإسكندرية وذكر لي طريقا تبين صحة ما ذكروه، وأحضر لي ورقة بصورة ذلك، وهو أنه ضاعف العدد إلى البيت السادس عشر، فأثبت فيه اثنتين وثلاثين ألفا وسبع مائة وثماني وستين حبة، وقال: تجعل هذه الجملة مقدار قدح، قال: فعبرناها، فكانت كذلك والعهدة عليه في هذا النقل، ثم ضاعف القدح في البيت السابع عشر، وهكذا حتى بلغ ويبة في البيت العشرين، ثم انتقل إلى الويبات، ومنها إلى الأرادب، ولم يزل يضاعفها حتى انتهت في بيت الأربعين إلى مائة ألف إردب وأربعة وسبعين ألف إردب وسبع مائة واثنين وستين إردبا وثلثي إردب، وقال: تجعل هذه الجملة شونة؛ فإن الشونة ما يكون فيها أكثر من هذا، ثم ضاعف الشون إلى بيت الخمسين، فكانت الجملة ألفا وأربعا وعشرين شونة، فقال: تجعل هذه مدينة؛ فإن المدينة لا يكون فيها أكثر من هذه الشون، وأي مدينة يكون فيها هذه الجملة من الشون؟ ! ثم ضاعف البلدان حتى انتهت إلى بيت الرابع والستين، وهو آخر أبيات رقعة الشطرنج، إلى ستة عشر ألف مدينة وثلاث مائة وأربع وثمانين مدينة، وقال: تعلم أن ليس في الدنيا مدن أكثر من هذا العدد؛ فإن دور كرة الأرض معلوم بطريق الهندسة، وهو ثمانية آلاف فرسخ، بحيث لو وضعنا طرف حبل على أي موضع كان من الأرض، وأدرنا الحبل على كرة الأرض حتى انتهينا بالطرف الآخر إلى ذلك الموضع من الأرض، والتقى طرفا الحبل، فإذا مسحنا ذلك الحبل .. كان طوله أربعة وعشرين ألف ميل، وهي ثمانية آلاف فرسخ، قال: وذلك قطعي لا شك فيه، قال: ومعلوم أن ما في الأرض من المعمور هو قدر ربع الكرة بطريق التقريب)(١).