فلما أصبح المصريون .. حضروا عند القائد للتهنئة، فوجدوه قد حفر أساس القصر في الليل، وكان فيه زورات جاءت غير معتدلة لم تعجبه، ثم قال: حفرت في ساعة سعيدة لا أغيرها، وأقام عسكره يدخل البلد سبعة أيام.
وبادر جوهر بالكتاب إلى مولاه المعز يبشره بالفتح، وأنفذ إليه رءوس القتلى في الوقعة، وقطع خطبة بني العباس عن سائر الديار المصرية، وكذلك اسمهم على السكة، وجعل ذلك كله باسم مولاه المعز، وأزال الشعار الأسود، ولبس الخطباء الثياب البيض، وفي يوم الجمعة أمر جوهر بزيادة بعد الخطبة:(اللهم؛ صل على محمد المصطفى، وعلى علي المرتضى، وعلى فاطمة البتول، وعلى الحسن والحسين سبطي الرسول، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، اللهم؛ صل على الأئمة الطاهرين، آباء أمير المؤمنين)، وفي الجمعة الأخرى أذن ب (حي على خير العمل)، ودعا الخطيب على المنبر للقائد جوهر، فأنكر جوهر ذلك عليه وقال: ليس هذا رسم موالينا.
وشرع في عمارة الجامع بالقاهرة، قال القاضي ابن خلكان:(وأظنه المعروف بجامع الأزهر؛ فإن الجامع الآخر بالقاهرة مشهور بجامع الحاكم)(١).
وأقام جوهر مستقلا بتدبير مملكة مصر قبل وصول مولاه المعز إليها أربع سنين وعشرين يوما، ولما وصل المعز إلى القاهرة .. خرج جوهر من القصر إلى لقائه، ولم يخرج معه شيء من آلته سوى ما كان عليه من الثياب، ثم لم يعد إليه، ونزل في داره بالقاهرة، وأقام جوهر بمصر نافذ الأمر، مستمرا على علو منزلته وارتفاع درجته، متوليا للأمور إلى سابع عشر المحرم في سنة أربع وستين، فعزله المعز عن قبض الأموال والتصرف فيها، وبقي وافر الحرمة، تام الحشمة إلى أن توفي سنة إحدى وثمانين وثلاث مائة.
وكان محسنا إلى الناس، فلما توفي .. لم يبق شاعر إلا رثاه.
وكان ولده الحسين قائد القواد للحاكم بن العزيز بن المعز صاحب مصر، وكان قد خاف على نفسه من الحاكم، فهرب هو وولده وصهره القاضي عبد العزيز زوج أخته، فأرسل الحاكم من ردهم وطيّب قلوبهم وآنسهم مدة مديدة، ثم حضروا للخدمة، فتقدم الحاكم إلى سيف النقمة راشد، فاستحضر عشرة من الغلمان الأتراك، وقتلوا الحسين وصهره، وأحضروا رأسيهما بين يدي الحاكم، وعند الله تجتمع الخصوم.