للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشيطان، فسمع القاضي قوله وكان بعيدا، فلما جلس .. أقبل على ابن المعلم وأصحابه وقال: قال الله تعالى: {أَنّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا)} (١).

وحكى الحافظ ابن عساكر عن بعض أهل العلم قال: (كان القاضي أبو بكر فارس هذا العلم، مباركا على الأمة، يلقب: سيف السنة ولسان الأمة، وكان مالكيا فاضلا متورعا، ممن لم يحفظ عليه زلة، ولا تنسب إليه نقيصة.

قال الحافظ ابن عساكر: كان الانتساب إلى الاعتزال فاشيا منتشرا، وكل من كان سنيا مستخفيا مستترا إلى أن قام القاضي أبو بكر بنصرة المذهب، فانتشر في المشرق والمغرب، وكان مظهره بدار السلام التي هي قبة الإسلام، فلم يذكر لذلك تغيير من الإمام ولا نكير من العوام، بل كان الكل يتقلدون منه المنة من العوام، والأئمة يلقبونه: سيف السنة ولسان الأمة.

وعن الإمام أبي حاتم القزويني قال: كان الإمام أبو بكر الأشعري يضمر من الورع والديانة، والزهد والصيانة أضعاف ما كان يظهره، فقيل له في ذلك، فقال: إنما أظهر ما أظهره غيظا لليهود والنصارى والمبتدعين المخالفين؛ لئلا يستحقروا علماء الحق والدين.

قال أبو بكر الخوارزمي: كل مصنف ببغداد ينقل من كتب الناس إلى تصانيفه سوى القاضي أبي بكر؛ فإن صدره يحوي علمه وعلم الناس) (٢).

وقال الخطيب البغدادي: (كان القاضي أبو بكر يهم أن يختصر ما يصنفه، فلا يقدر على ذلك؛ لسعة علمه وكثرة حفظه) (٣).

ولما توفي سنة ثلاث وأربع مائة .. حضر الشيخ أبو الفضل التميمي الحنبلي حافيا مع إخوانه وأصحابه، وأمر أن ينادى بين يدي جنازته: هذا ناصر السنة والدين، هذا إمام المسلمين، هذا الذي كان يذب عن الشريعة ألسنة المخالفين، هذا الذي صنف سبعين ألف ورقة ردا على الملحدين.


(١) «تاريخ بغداد» (٢/ ٤٥٥).
(٢) «تبيين كذب المفتري» (ص ١٢٠، ٢٢٠، ٤١٠).
(٣) «تاريخ بغداد» (٢/ ٤٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>