ورثاه بعضهم بهذين البيتين: [من البسيط]
انظر إلى جبل تمشي الرجال به ... وانظر إلى القبر ما يحوي من الصّلف
انظر إلى صارم الإسلام منغمدا ... وانظر إلى درة الإسلام في الصّدف
قال الشيخ اليافعي: (ولقد ضمن هذين البيتين مدحا عظيما، لائقا بجلالة الإمام المذكور، لكن لو قال: «من الشرف» بدل «من الصلف» ولو قال: «درة التوحيد» بدل «درة الإسلام» .. لغاير بين اللفظين؛ فإنه قد قال في أول البيت: «انظر إلى صارم الإسلام» والتوحيد وإن كان داخلا فيه فالمغايرة بين الألفاظ وإن اتحدت معانيها أحسن وأبعد من كراهة التكرير) (١).
ورأى بعضهم في النوم بعد موت القاضي أبي بكر المذكور جماعة حسنة ثيابهم، بيضا وجوههم، طيبة روائحهم، ضاحكة أسنانهم، فقلت لهم: من أين جئتم؟ قالوا: من الجنة، فقلت: ما فعلتم؟ فقالوا: زرنا القاضي الإمام أبا بكر الأشعري، فقلت:
وما فعل الله به؟ فقالوا: غفر الله له، ورفع له في الدرجات، قال: ففارقتهم ومشيت، وكأني رأيت القاضي أبا بكر وعليه ثياب حسنة وهو جالس في رياض خضرة نضرة، فهممت أن أسأله عن حاله، وسمعته يقرأ {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ* فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ، } فهالني ذلك فرحا، وانتبهت.
ومدحه أبو الحسن السكري بقصيدة قال بعد غزلها: [من الكامل]
ملكت محبات القلوب ببهجة ... مخلوقة من عفّة وتحبب
فكأنّها من حيث ما قابلتها ... شيم الإمام محمّد بن الطّيّب
اليعربي فصاحة وبلاغة ... والأشعريّ إذا اعتزى للمذهب
قاض إذا التبس القضاء على الحجى ... كشفت له الآراء كلّ مغيب
لا يستريح إذا الشكوك تخالجت ... إلاّ إلى لب كريم المنصب
وصلته همّته بأبعد غاية ... أعيا المريد بها سبيل المطلب
أهدى له ثمر القلوب محبة ... وحباه حسن الذّكر من لم يحبب
ما زال ينصر دين أحمد صادعا ... بالحقّ يهدي للطريق الأصوب
(١) «مرآة الجنان» (٣/ ٩).