ومحبة مذهبه، وقيل: كانت حلية الصليحي الداعي عند الزواحي في كتاب «الصور»، وأوقفه منه على تنقل حاله وشرف مآله، كل ذلك سرا من أبيه القاضي محمد وأهله جميعا، فلما مات عامر الزواحي .. أوصى بجميع كتبه لعلي بن محمد الصليحي، وأعطاه مالا كان قد جمعه من أهل مذهبه، فعكف الصليحي على درس الكتب-وكان ذكيا-فلم يبلغ الحلم حتى تضلع من علم معارفه التي بلغ بها وبالجد السعيد غاية الأمل البعيد، فكان فقيها في مذهب الإمامية، ثم صار يحج بالناس دليلا على طريق السراة نحوا من خمس عشرة سنة، فانتشر ذكره في البلاد على لسان الخاصة والعامة أنه سيملك اليمن بأسره، ويكون له شأن عظيم، فإذا بلغه ذلك .. كرهه وأنكر على قائله، فلما كان سنة ثمان وعشرين وأربع مائة ..
حالف بمكة ستين رجلا على الموت، أو الظفر بقيام الدعوة، وما منهم إلا من هو في عزّة وفي منعة من قومه.
وفي سنة تسع وعشرين ثار في رأس جبل مسار-وهو أعلى جبل في تلك الناحية-ومعه الستون الذين حالفهم، ولم يكن في رأس الجبل بناء، إنما كان قلعة عالية منيعة، فلم ينتصف ذلك النهار الذي ملكها في ليلته إلا وقد أحاط به عشرون ألف سياف، فحصروه وشتموه وقالوا له: إن نزلت وإلا .. قتلناك ومن معك، فقال: إني ما فعلت هذا إلا خوفا عليكم أن يملك هذا الجبل غيرنا، فإن تركتمونا نحرسه لكم وإلا .. نزلنا إليكم، فانصرفوا وتفرقوا عنه، فلم يمض عليه شهر إلا وقد بناه وحصنه وديره، وظهر شأنه، واستفحل أمره، ووصلته الشيعة من أنحاء اليمن، وجمعوا له أموالا جليلة، وأظهر الدعاء إلى المستنصر بالله معد بن الظاهر بالله العبيدي صاحب مصر، فلما ظهر بمسار وكان معه جمع كثير .. حصره جعفر بن الإمام قاسم بن علي في جمع كثير، وساعده جعفر بن العباس، كان على مغارب اليمن الأعلى في ثلاثين ألفا، فأوقع الصليحي بجعفر بن العباس في محطته في شعبان من السنة المذكورة فقتله، وقتل جمعا كثيرا من أصحابه، وتفرق الناس عنه، فاستفتح الصليحي جبل حضور، وأخذ حصن يفاع، فجمع له ابن أبي حاشد جمعا عظيما، فالتقوا بصوف-قرية بين حضور وبين بني شهاب-فقتل ابن أبي حاشد في ألف رجل من أصحابه، وسار الصليحي إلى صنعاء فملكها، وطوى اليمن طيا، سهله ووعره، وبره وبحره، وهذا شيء لم يعهد في جاهلية ولا إسلام، حتى قال يوما وهو يخطب على منبر الجند: في مثل هذا اليوم نخطب على منبر عدن، ولم يكن ملكها يومئذ، فقال بعض من حضر: سبوح قدوس مستهزئا، فأمر بالحوطة عليه، فلما كان الجمعة الثانية .. خطب