الصليحي على منبر عدن، فقال ذلك الرجل: سبوحان قدوسان، وتغالى في القول، ودخل في مذهبهم، وكان يلاطف نجاحا صاحب زبيد في الظاهر؛ خوفا منه، ويعمل الحيلة في الباطن على قتله حتى قتله بالسم في سنة اثنتين وخمسين على يد جارية جميلة أهداها إليه.
وفي سنة ثلاث وخمسين أرسل الصليحي بهدية جليلة فيها سبعون سيفا قوائهما من عقيق إلى المستنصر بمصر، واستأذنه في إظهار الدعوة، فأذن له المستنصر في ذلك، وعقد له الألوية، وكتب له الألقاب، فسار إلى التهائم وملكها، ولم تخرج سنة خمس وخمسين إلا وقد استولى على كافة قطر اليمن، من مكة إلى حضرموت، سهله وجبله، واستقر ملكه في صنعاء.
وحلف أنه لا يولي تهامة إلا من حمل له مائة ألف دينار، ثم ندم وأراد أن يوليها صهره أسعد بن شهاب أخا زوجته أسماء أم المكرم، وحملت أسماء عن أخيها مائة ألف، وطلبت له ولاية التهائم، فولاه إياها كما ذكرناه في ترجمته.
وحج الصليحي في سنة خمس وخمسين، وأظهر العدل والإحسان، وكسا البيت ثيابا بيضا، واستناب بمكة محمد بن أبي هاشم، ورجع إلى اليمن.
وتوجه إلى مكة المشرفة في سنة تسع وخمسين، واستصحب زوجته أسماء بنت شهاب معه، واستخلف على ملك اليمن ولده منها أحمد المكرم، وسار في خمسين ملكا من ملوك اليمن الذين ولي ملكهم، وفي مائة وخمسين أو مائة وسبعين من آل الصليحي؛ خوفا أن يغيروا بعده على ولده المكرم، حتى إذا كان بالمهجم، ونزل بظاهرها بقرية يقال لها: أم الدهيم وبئر أم معبد، وخيمت عساكره والملوك الذين معه من حوله؛ إذ قيل: قتل الصليحي، فانذعر الناس، وسقط في أيديهم، وذلك أن سعيد الأحول بن نجاح كان بدهلك من أرض الحبشة، فلما علم بمسير الصليحي .. خرج من البحر من ساحل المهجم معارضا له في خمسة آلاف حربة من الحبشة قد انتقاهم، فساروا حتى هجموا المحطة وقت انتصاف النهار ثاني عشر ذي القعدة والناس متفرقون في خيامهم، غير مستعدين لشر، ولا خائفين له، فقصد سعيد الأحول ومن معه من أصحابه خيمة الصليحي، فدخلوا عليه، فقتلوه وقتلوا أخاه، وافترقوا في المحطة يقتلون من قدروا عليه، واستولى سعيد الأحول على خزائن الصليحي وأمواله، وكان قد استصحب معه أموالا جليلة، وأسرت زوجته