للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على والدي أن يضم إليها غيرها، فأتمها خمسين مقامة، وإلى الوزير المذكور أشار الحريري في خطبة «المقامات» بقوله: (فأشار-من إشارته حكم، وطاعته غنم-إلي أن أنشئ مقامات أتلو فيها تلو البديع وإن لم يدرك الظالع شأو الضليع) هكذا وجد في عدة تواريخ.

وفي نسخة من «المقامات» عليها خط مصنفها، وقد كتب بخطه أيضا على ظهرها: أنه صنفها للوزير جلال الدين عميد الدولة أبي علي الحسين بن أبي العز علي بن صدقة، وزير المسترشد.

قيل: وهذا أصح من الرواية الأولى؛ لكونه بخط المصنف، والله أعلم.

وذكر القاضي أبو الحسن علي بن يوسف الشيباني وزير حلب في كتابه المسمى: «إنباه الرواة على أنباه النحاة» أن أبا زيد المذكور اسمه: المطهر بن سلار، وكان بصيرا، نحويا لغويا، صحب الحريري المذكور، واشتغل عليه بالبصرة وتخرج، وروى عنه القاضي أبو الفتح محمد بن أحمد بن المندائي الواسطي «ملحة الإعراب» للحريري، وذكر أنه سمعها منه عن الحريري وقال: قدم علينا واسط سنة ثمان وثلاثين وخمس مائة، فسمعنا منه، وتوجه منها مصعدا إلى بغداد، فوصلها، وأقام بها مدة يسيرة، وتوفي بها رحمه الله.

وأما تسميته الراوي لها بالحارث بن همام .. فإنما عنى به نفسه.

قال ابن خلكان: (هكذا وقفت عليه في بعض شروح «المقامات»، وهو مأخوذ من قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «كلكم حارث، وكلكم همام» (١) فالحارث الكاسب، والهمام كثير الاهتمام، وما من شخص .. إلا وهو حارث وهمام؛ لأن كل أحد كاسب ومهتم بأموره) (٢).

ويقال: إن الحريري كان عملها أربعين مقامة، وحملها من البصرة إلى بغداد، فلم يصدقه في ذلك جماعة من أدباء بغداد وقالوا: إنها ليست من تصنيفه، وقالوا: هي لرجل مغربي من أهل البلاغة مات بالبصرة، ووقعت أوراقه إليه، فادعاها، فاستدعاه الوزير إلى الديوان، وسأله عن صناعته فقال: أنا رجل منشئ، فاقترح عليه إنشاء رسالة في واقعة


(١) انظر «المقاصد الحسنة» (ص ٣١٩)، و «كشف الخفاء» (٢/ ١١٥).
(٢) «وفيات الأعيان» (٤/ ٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>