عيّنها، فانفرد في ناحية من الديوان، وأخذ الدواة والقرطاس، ومكث زمانا لم يفتح الله عليه بشيء من ذلك، فقام وهو خجلان، فأنشد ابن أفلح الشاعر وكان في جملة من أنكر دعواه في عملها هذين البيتين-وقيل: إنهما لأبي محمد الحريمي البغدادي الشاعر المشهور-: [من المنسرح]
شيخ لنا من ربيعة الفرس ... ينتف عثنونه من الهوس
أنطقه الله بالمشان كما ... رماه وسط الديوان بالخرس
وكان الحريري يزعم أنه من ربيعة الفرس، وكان مولعا بنتف لحيته عند الفكرة، وكان يسكن في مشان البصرة-بفتح الميم والشين المعجمة، ثم ألف ونون-بليدة فوق البصرة، كثيرة النخل، شديدة الوخم، وأصله منها، يقال: كان له بها ثمانية عشر ألف نخلة، فلما رجع إلى بلده .. عمل عشر مقامات أخر، وسيّرهنّ، واعتذر من عيّه وحصره بالديوان بما لحقه من المهابة.
ومن مؤلفاته: «درة الغواص في أوهام الخواص» و «ملحة الإعراب» وشرحها، وله رسائل، وله تاريخ لطيف سماه: «صدور زمان القبور وقبور زمان الصدور».
وشعره كثير غير شعره الذي في «المقامات»، وجميع الشعر الذي في «المقامات» له سوى البيتين اللذين نسبهما إلى ديوان أبي عبادة، والبيتين المنسوبين لابن سكرة، ومن شعره: [من البسيط]
قال العواذل ما هذا الغرام به ... أما ترى الشّعر في خديه قد نبتا
فقلت والله لو أن المفنّد لي ... تأمّل الرّشد في عينيه ما ثبتا
ومن أقام بأرض وهي مجدبة ... فكيف يرحل عنها والربيع أتى
وله قصائد استعمل فيها التجنيس، ومن شعره: [من الخفيف]
لا تزر من تحبّ في كلّ شهر ... غير يوم ولا تزده عليه
فاجتلاء الهلال في الشهر يوم ... ثم لا تنظر العيون إليه
وعارضه غيره فقال: [من الوافر]
إذا حقّقت من خلّ ودادا ... فزره ولا تخف منه ملالا
وكن كالشّمس تطلع كلّ يوم ... ولا تك في زيارته هلالا