للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتوسط شيخنا القاضي شهاب الدين أحمد بن عمر المزجد رحمه الله فقال (١):

وللحريري قصيدة في تفضيل الغنى على الفقر يقول فيها: [من البسيط]

وانظر بعينك هل أرض معطّلة ... من النّبات كأرض حفّها الشّجر

فعدّ عمّا تشير الأغبياء به ... فأيّ فضل لعود ما له ثمر

وارحل ركابك عن ربع ظمئت به ... إلى الجناب الذي يهمي به المطر

وقد عارضه الشيخ اليافعي بقصيدة طويلة فضل فيها الفقر على الغنى، وكذا عارضه في بيتي الزيارة بأبيات فصل فيها تفصيلا طويلا) (٢).

يقال: إن الحريري كان دميما، قبيح المنظر، فجاءه شخص غريب يزوره ويأخذ عنه شيئا من شعره، فلما رآه .. استزرى شكله، ففهم الحريري ذلك منه، فلما التمس أن يملي عليه .. قال: اكتب: [من البسيط]

ما أنت أوّل سار غرّه قمر ... ورائد أعجبته خضرة الدّمن

فاختر لنفسك غيري إنّني رجل ... مثل المعيديّ فاسمع بي ولا ترني

فخجل الرجل منه وانصرف، والمعيدي-بضم الميم، وفتح العين، وسكون المثناة من تحت، ثم دال مهملة مكسورة-رجل منسوب إلى معد بن عدنان، وقد نسبوه بعد أن صغروه وخففوا منه الدال، وفيه جاء المثل المشهور: (لأن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه) وهذا المثل يضرب لمن له صيت وذكر، ولا منظر له، قال المفضل الضبي: أول من تكلم به المنذر بن ماء السماء، قاله لشقّة بن ضمرة التميمي الدارمي، وكان قد سمع بذكره، فلما رآه .. اقتحمه، فقال المنذر: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، فقال له شقة: أبيت اللعن؛ إن الرجال ليسوا بجزر يراد منها الأجسام، إنما المرء بأصغريه: قلبه ولسانه، فأعجب المنذر ما رأى من عقله وبيانه.

ولد الحريري سنة ست وأربعين وأربع مائة، وكان يسكن في سكة بني حرام بالبصرة،


(١) لم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى أبيات شيخه شهاب الدين أحمد بن عمر المزجد المتوفى سنة (٩٣٠ هـ‍)، وترك مكانها بياضا، ولعلها هذه: [من الخفيف] أنا في سلوة على كل حال إن أتاني الحبيب أو إن أباني إغنم الوصل إذ دنا في أمان وإذا ما نأى أعش بالأماني وانظر ترجمة شهاب الدين المزجد في «تاريخ الشحر» (ص ١٦٠)، ومنه نقلنا هذه الأبيات.
(٢) انظر «مرآة الجنان» (٣/ ٢١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>