اتسمت اليوم عند القوم بسمة شاعر، فطالع كتب الأدب، ولا تجمد على الفقه، فكان ذلك سبب اشتغالي بالشعر وصحبة الملوك.
فلما صار عين أهل زمانه في الأدب .. لم يزل مصاحبا للملوك آل زريع خاصة، ثم صار يترسل بين الشريف بن فليتة صاحب مكة وبين صاحب مصر من العبيديين، ثم تديّر مصر، وصحب ملوك العبيديين، وله فيهم وفي وزرائهم الأشعار الفائقة.
وألزمه القاضي الفاضل أن يضع مجموعا يتضمن أخبار جزيرة اليمن، فصنف كتابه «المفيد» المعروف «بمفيد عمارة»؛ احترازا عن «مفيد جياش»، ومن مصنفاته:
«النكت العصرية في أخبار وزراء الدولة المصرية» وله ديوان جيد، وشعره رائق مؤنق، وله القصائد المختارات في العبيديين ملوك مصر الفائز والعاضد وأعيان دولتهم كشاور وبني رزّيك، وفي الزريعيين ملوك اليمن وخواص دولتهم كابن العيدي وبلال المحمدي وابنه ياسر وغيرهم، حدثناها اختصارا.
ومن ذلك مدحه في شاور بعد عوده من حصار بلبيس: [من الكامل]
أسمع بذا الفتح المبين وأبصر ... واقصر عليه يد الهناء وأقصر
فتح أضاء به الزمان كأنه ... وجه البشير وغرة المستبشر
فتح يذكّرنا وإن لم ننسه ... ما كان من فتح الوصيّ لخيبر
فتح تولد يسرة من عسرة ... طالت وأي ولادة لم تعسر
حملت به الأيام إلا أنها ... وضعته تمّا عن ثلاثة أشهر
تلقاه أول فارس إن أقبلت ... خيل وأول راجل في العسكر
هانت عليه النفس حتى أنه ... باع الحياة فلم يجد من مشتر
ضجر الحديد من الحديد وشاور ... من نصر دين محمد لم يضجر
حلف الزمان ليأتين بمثله ... حنثت يمينك يا زمان فكفر
ولما انقرضت دولة العبيديين على يد السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب .. جعل عمارة يكثر ذكرهم، والتأسف عليهم، والدعاء على من كان سببا لهلاكهم، وكلما هم السلطان صلاح الدين بأذيته .. دافع عنه القاضي الفاضل، حتى كان من قوله فيهم: [من البسيط]
لما رأيت عراص الدهر خالية ... عن الأنيس وما في الربع سادات
أيقنت أنهم عن ربعهم رحلوا ... وخلفوني وفي قلبي حزازات