سألت أبله قلبي في السّلوّ وقد ... يقال للبله في الدنيا إصابات
فقال رأيي ضعيف لا يطاوعني ... كيف السلو وأهل الفضل قد ماتوا
يا رب إن كان لي في قربهم طمع ... عجل بذاك فللتسويف آفات
فلما سمع صلاح الدين هذه الأبيات .. كبر عليه، فأمر بشنقه بعد أن قالها بيسير، فشنق هو وجماعة ممن كان على رأيهم، فيقال: إنه تفاءل على نفسه باللحاق بهم، فلما خرجوا به ليشنقوه .. سألهم أن يمروا به على باب القاضي الفاضل، فلما علم القاضي بذلك .. أمر بإغلاق باب داره، فلما رآه عمارة مغلقا .. أنشد ارتجالا: [من مجزوء الكامل]
عبد الرحيم قد احتجب ... إن الخلاص من العجب
فشنق في درب يعرف بخرابة السود بالقاهرة ثاني عشر رمضان من سنة تسع وستين وخمس مائة.
قال الجندي: (واختلف المصريون في عمارة، فمنهم من يرى أنه مات على السنة ولم يدخل في مذهب العبيديين، وأثنى عليه ابن خلكان ثناء حسنا، وذكر أنه بذل له مال على الانتقال إلى مذهبهم فكره، وكان متعصبا للسنة) (١)، وأشار بذلك إلى ما في ديوان عمارة أن الصالح بن رزّيك أرسل إليه بثلاثة أكياس ذهبا ورقعة مكتوب فيها بخط الصالح: [من الكامل]
قل للفقيه عمارة يا خير من ... أضحى يؤلف خطبة وخطابا
اقبل نصيحة من دعاك إلى الهدى ... قل حطة وادخل إلينا البابا
تلقى الأئمة شافعين ولا تجد ... إلا لدينا سنة وكتابا
وعلي أن يعلو محلك في الورى ... وإذا شفعت إلي كنت مجابا
وتعجل الآلاف فهي ثلاثة ... صلة وحقك لا يعدّ ثوابا
فأجابه عمارة مع رسوله فقال: [من الكامل]
حاشاك من هذا الخطاب خطابا ... يا خير من ملك الرقاب نصابا
لكن إذا ما أفسدت علماؤكم ... معمور معتقدي وصار خرابا
ودعوتم فكري إلى أقوالكم ... من بعد ذاك أطاعكم وأجابا
فاشدد يديك على صفاء محبتي ... وامنن علي وسد هذا البابا
(١) «السلوك» (١/ ٣٦٢).