للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأقسم لو وافيتنا ولقيتنا ... لأبت ذليلا وافتقدت المواليا

تركنا بها أوصال عتبة وابنه ... وعمرا أبا جهل تركناه ثاويا

عصيتم رسول الله أفّ لدينكم ... وأمركم السّيء الذي كان غاويا

فإنّي وإن عنّفتموني لقائل ... فدى لرسول الله أهلي وماليا

أطعناه لم نعدله فينا بغيره ... شهابا لنا في ظلمة الليل هاديا (١)

وفي هذه السنة: كانت سرية عاصم بن ثابت الأنصاري، قال ابن إسحاق: كانت بعد أحد، بعثه النبي صلّى الله عليه وسلم في عشرة رهط عينا، فلما كانوا بالرّجيع؛ ماء لهذيل بين عسفان ومكة .. ذكروا لحي من هذيل، فتبعهم منهم نحو من مائة رام، فلما أحس بهم عاصم وأصحابه .. لجئوا إلى فدفد؛ أي: مرتفع من الأرض، وأحاط بهم القوم، وأعطوهم العهد؛ إن استسلموا وألقوا ما بأيديهم .. لا يقتلون منهم أحدا، فقال عاصم:

أما أنا .. فلا أنزل في ذمة كافر أبدا، اللهم؛ أخبر عنا رسولك، فرموهم حتى قتلوا عاصما في سبعة، ونزل إليهم خبيب بن عدي وزيد بن الدّثنة وعبد الله بن طارق بالأمان، فربطوهم بأوتار قسيّهم، فقال عبد الله بن طارق: هذا أول الغدر، والله لا أصحبكم أبدا، فقتلوه، وانطلقوا بخبيب وزيد فباعوهما بمكة، فاشترى خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل، وكان قد قتل أباهم ببدر فقتلوه به (٢)، واشترى زيد بن الدّثنة صفوان بن أمية، فقتله بأبيه (٣).

وبعد مقتل خبيب وأصحابه بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري وجبّار بن صخر الأنصاري ليقتلا أبا سفيان غيلة، فقدما مكة خفية، فشهرا وخرجا هاربين ولم يقعا على ما أرادا، ذكر ذلك ابن هشام من غير رواية ابن إسحاق (٤).

وفيها-أو في الرابعة-: كانت سرية بئر معونة، وسببها: أنه قدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر الكلابي العامري ملاعب الأسنّة، فعرض عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم الإسلام، فلم يسلم ولم يبعد، وقال:

يا محمد؛ ابعث معي رجالا من أصحابك إلى أهل نجد؛ يدعوهم إلى أمرك وأنا لهم جار،


(١) أبت: رجعت، وثاويا: مقيما، والسّيء: مخفف من السّيّء، وهما بمعنى، كما تقول: هيّن وهين وميّت وميت، وعنفتموني: لمتموني، ونعدله: نساويه مع غيره.
(٢) انظر الخلاف الذي ذكرناه حول شهود خبيب بدرا وقتله للحارث بن عامر في ترجمته (١/ ٧٩).
(٣) سبق تخريج حديث الرجيع في ترجمة (عاصم بن ثابت رضي الله عنه) (١/ ٧٧).
(٤) انظر «سيرة ابن هشام» (٤/ ٦٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>