الصالح إسماعيل، وخرجوا في جمع عظيم، وسار صلاح الدين، فالتقوا على قرون حماة، فراسلهم صلاح الدين، واجتهد في الصلح فلم يقبلوا، فلاقاهم، فكسرهم وأسر جماعة منهم، ثم نزل على حلب، وصالحوه على أخذ المعرة وكفر طاب ومارين، ولما جرت هذه الوقعة .. كان سيف الدين غازي محاصرا أخاه عماد الدين صاحب سنجار؛ لأنه كان قد انتمى إلى صلاح الدين، ثم جمع العساكر وسار، وخرج ابن عمه الملك الصالح، فوصل إلى حلب، وصعد قلعتها، ووصل إلى صلاح الدين عسكر مصر، فالتقاهم، وكسرهم، وأسر منهم جمعا من كبار الأمراء، ثم منّ عليهم وأطلقهم، وعاد سيف الدين إلى حلب، فأخذ منها خزائنه وسار إلى بلاده، ومنع صلاح الدين من اتباع القوم، ونزل على خيامهم، وقسم الخزائن، وأعطى خيمة سيف الدين لابن أخيه، وسار إلى منبج فتسلمها، ثم إلى قلعة عزاز فحاصرها، ووثب جماعة من الإسماعيلية على صلاح الدين، فنجاه الله تعالى منهم، وظفره بهم، ثم سار، فنزل على حلب، وأقام عليها مدة، فأخرجوا له ابنة صغيرة لنور الدين، فسألته عزاز، فوهبها لها، وعاد صلاح الدين إلى مصر، فتفقد أحوالها.
ثم تأهب للغزو، وخرج يطلب الساحل حتى وافى الفرنج على الرملة في أوائل سنة ثلاث وسبعين، فانكسر المسلمون، ولم يكن لهم حصن قريب يأوون إليه، فطلبوا جهة الديار المصرية، فضلوا في الطريق، وأسر منهم جمع، منهم الفقيه عيسى الهكاري، وكان ذلك وهنا عظيما جبره الله بوقعة بعدها، ثم التمس الروم من صلاح الدين الصلح، فصالحهم.
وتوفي الملك الصالح إسماعيل في هذه السنة-أعني سنة ثلاث وسبعين-بعد أن استخلف أمراء حلب وأجنادها لابن عمه عزّ الدين مسعود صاحب الموصل، فتوجه عزّ الدين لقبض حلب؛ خوفا أن يسبقه إليها صلاح الدين، فقبضها، وصعد قلعتها، واستولى على حواصلها، وتزوج أم الملك الصالح، ثم قايض عزّ الدين أخاه عماد الدين صاحب سنجار عن حلب بسنجار، فخرج عزّ الدين عن حلب، ودخلها عماد الدين، وجاء صلاح الدين إلى حلب وحاصره، ثم اصطلحا على أن ينزل عماد الدين لصلاح الدين عن حلب، ويعوضه عنها الخابور ونصيبين وسروج، وسلم صلاح الدين قلعة حلب، وجعل فيها ولده الملك الظاهر، وكان صبيا، وطلب صلاح الدين أخاه الملك العادل من مصر ليجتمعوا على الكرك، فوصل إليه في جيش عظيم، واجتمعوا في شعبان سنة تسع وسبعين وخمس مائة، فلما بلغ الفرنج ذلك .. حشدوا خلقا كثيرا، وجاءوا إلى الكرك، فخاف صلاح الدين على