للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الديار المصرية، فسير إليها ابن أخيه تقي الدين، ورحل عن الكرك ومعه أخوه العادل، فدخل دمشق، ثم رجع العادل إلى مصر، ونازل صلاح الدين الموصل وحاصرها مرارا فلم يقدر عليها، وترددت الرسل بينه وبين صاحبها، ثم مرض صلاح الدين، فسار إلى حران، ولحقته الرسل بالإجابة إلى ما طلب، وتم الصلح على أن يسلم صاحب الموصل لصلاح الدين شهرزور وأعمالها وما وراء الفرات (١) من الأعمال، وأن يخطب له على المنابر، وينقش على السكة اسمه، وقبض نواب صلاح الدين البلد التي وقع الصلح عليها، وطال مرض صلاح الدين حتى أيسوا منه، فحلف الناس لأولاده، وكان عنده منهم الملك العزيز، وجاء أخوه العادل من حلب وهو ملكها يومئذ، فجعله وصيا على أولاده، وسلم إليه ولده العزيز، وجعله أتابكه، ثم من الله عليه بالعافية.

وفي ربيع الآخر من سنة ثلاث وثمانين في يوم الجمعة-وكان كثيرا ما يقصد لقاء العدو يوم الجمعة عند الصلاة؛ تبركا بدعاء المسلمين والخطباء على المنابر-كانت وقعة حطين المباركة على المسلمين، سار صلاح الدين حتى نزل على بحيرة الطبرية على سطح الجبل ينتظر قصد الفرنج له، فلم يتحركوا ولا خرجوا عن منازلهم، فلما رآهم لا يتحركون .. ترك جريدة على طبرية، وترك الأطلاب على حالها قبالة العدو، وهجم طبرية فأخذها في ساعة واحدة، وأخذ الناس في النهب والسبي والقتل والحريق، وبقيت القلعة محمية بمن فيها، فلما بلغ العدو ذلك .. قلقوا ورحلوا نحوها، وبلغ السلطان ذلك، فترك على طبرية من يحاصرها، ولحق بالعسكر، فالتقى بالعدو على سطح طبرية، وحال الليل بين العسكرين، فناما على مصافهما ليلة الجمعة إلى بكرة يومها، واستعرت نار الحرب، واشتد الأمر، ولم تزل الحرب تضطرم، والفارس مع قرنه يصطدم، حتى حال بينهم الليل بظلامه، وبات كل واحد من الفريقين بمقامه إلى صبيحة يوم السبت، وتحقق المسلمون أن من ورائهم الأردن، ومن بين أيديهم بلاد العدو، وأنه لا ينجيهم إلا الاجتهاد في الجهاد، فحملوا بأجمعهم عليهم، وصاحوا صيحة رجل واحد، فألقى الله الرعب في قلوب الكافرين، وكان حقا عليه سبحانه نصر المؤمنين، فأحاط المسلمون بالكافرين من كل جانب، وأطلقوا فيهم السهام، وحكّموا فيهم السيوف القواضب، وأشعلوا حولهم النيران، وصدقوا فيهم الضرب والطعان، وأسر مقدمهم، وقتل الباقون.


(١) كذا في «مرآة الجنان» (٣/ ٤٥٣)، و «الكامل» (١٠/ ١٠)، و «وفيات الأعيان» (٧/ ١٧٢): (الزاب).

<<  <  ج: ص:  >  >>