وبلدة أخرى، ثم دخل دمشق، فأقام بها، ثم نزل على صفد، فتسلمها بالأمان، ثم تسلم الكرك بالأمان، ثم كوكب، وسار مع أخيه العادل لزيارة القدس وليودع أخاه في توجهه إلى مصر، فعيد الأضحى بالقدس، ثم دخل عسقلان ونظر في أمورها وأخذها من أخيه العادل وعوضه عنها الكرك، ثم مر على بلاد الساحل يتفقد أحوالها، ثم دخل عكا، فأقام بها معظم المحرم يصلح أحوالها، وأمر بعمارة سورها، ثم سار إلى دمشق، فأقام بها إلى ربيع الأول، ثم خرج إلى شقيف أرنون وهي موضع حصين، فخيم بالقرب منه في مرج عيون، فأقام أياما يباشر قتاله والعساكر تتواصل إليه، فلما تحقق صاحب الشقيف أنه لا طاقة له به .. نزل إليه بنفسه، فلم يشعر به إلا وهو قائم على باب خميته، وكان من أكابر الفرنج وعقلائهم، يعرف بالعربية، وعنده اطلاع على شيء من الحديث والتواريخ، فأكرمه السلطان واحترمه، وأكل مع السلطان، ثم خلا به، وذكر أنه مملوكه ويحب طاعته، وأنه يسلم إليه المكان من غير تعب على أن يعطى موضعا يسكنه بدمشق، وإقطاعا بها يقوم به وبأهله، وشروطا غير ذلك، فأجابه إلى مرامه.
وفي أثناء شهر ربيع الأول بلغه خبر تسليم الشوبك بالأمان، ثم ظهر للسلطان بعد ذلك أن جميع ما قاله صاحب الشقيف كان خديعة، فرسم عليه، ثم بلغه أن الفرنج نزلوا على عكا، فسير صاحب الشقيف إلى دمشق بعد الإهانة الشديدة، ودخل عكا بغتة لتقوى قلوب من بها، ثم استدعى العسكر من كل ناحية، وتكاثر الفرنج، واستفحل أمرهم، وأحاطوا بعكا وحصروها، ومنعوا من يدخل إليها ويخرج، فاجتهد السلطان حتى فتح طريقا إليها ليستمر السابلة بالميرة والنجدة، وسار الأمراء حتى فتحوا إليها طريقا سلكه المسلمون، ودخل السلطان عكا فأشرف على أمورها، وجرى بين الفريقين وقعات، فقيل للسلطان: إن الوخم قد وقع بعكا، وإن الموت قد فشا بين الطائفتين، فأنشد السلطان قول ابن الزبير لما تعارك هو ومالك بن الحارث المعروف بالأشتر يوم الجمل:[من مجزوء الخفيف]
اقتلاني ومالكا ... واقتلا مالكا معي
يريد بذلك أنه قد رضي أن يتلف إذا أتلف الله أعداءه.
ثم إن الإفرنج جاءتهم الأمداد من البحر، واستظهروا على المسلمين بعكا، فضاق المسلمون من ذلك، وعزموا على صلح الفرنج بأن يسلموا البلد، وجميع ما فيه؛ من الآلات والعدة والسلاح والمراكب، ومائتي ألف دينار، وخمس مائة أسير مجاهيل، ومائة