للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى بني قريظة (١)، فلم يعنف النبي صلّى الله عليه وسلم أحدا منهم، فلما اشتدت وطأته عليهم .. أرسلوا إليه: أن أرسل إلينا أبا لبابة، فأرسله إليهم، فتلقاه النساء والصبيان يبكون في وجهه، فرقّ لهم لولائه منهم، فقالوا: أترى أن ننزل على حكم محمد؟ قال: نعم، وأشار بيده إلى حلقه-[يعني]: أنّ حكمه القتل-ثم ندم أبو لبابة لكونه قد خان الله ورسوله، فلم يرجع إلى النبي صلّى الله عليه وسلم، بل راح إلى المسجد، وربط نفسه بسارية، وأقام على ذلك سبعة أيام لا يذوق ذواقا حتى خر مغشيا عليه، فتاب الله عليه، فنزل فيه: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ، } وآية توبته: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا، } الآية، ولم يطأ بلد بني قريظة بعدها، وكان له بها أموال وأشجار (٢).

وسأل بنو قريظة النبي صلّى الله عليه وسلم أن يقبل منهم ما قبل من إخوانهم بني النّضير، فأبى عليهم، فلما أيسوا من ذلك .. نزلوا على حكمه صلّى الله عليه وسلم، فشفع فيهم حلفاؤهم الأوس كما شفعت الخزرج في حلفائهم بني قينقاع، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم للأوس: «ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم؟ » قالوا: بلى، قال: فذلك إلى سعد بن معاذ، وكان سعد قد جعله النبي صلّى الله عليه وسلم في خيمة في جانب مسجده؛ ليعوده من قريب، فأتاه قومه فاحتملوه على حمار، وأقبلوا به إلى النبي صلّى الله عليه وسلم، وهم يقولون: يا أبا عمرو؛ أحسن إلى مواليك، فقال لهم: قد آن لسعد ألاّ تأخذه في الله لومة لائم، فحينئذ أيس قومه من بني قريظة ونعوهم إلى أهليهم قبل أن يحكم، ولما أقبل إلى النبي صلّى الله عليه وسلم .. قال لمن عنده: «قوموا إلى سيدكم»، فحكم سعد رضي الله عنه بقتل الرجال وسبي الذراري والنساء وقسمة الأموال، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلم: «لقد حكمت بحكم الله تعالى»، وربما قال: «بحكم الملك» (٣).

فحبسهم النبي صلّى الله عليه وسلم في بيت واحد، وخد لهم أخاديد في موضع سوق المدينة، فخرج بهم أرسالا، تضرب أعناقهم، ثم يلقون في الأخاديد (٤)، وترك منهم من


(١) أخرجه البخاري (٤١١٨).
(٢) انظر «دلائل البيهقي» (٤/ ١٣)، و «طبقات ابن سعد» (٢/ ٧١)، و «تاريخ الطبري» (٢/ ٥٨٣).
(٣) سبق تخريجه في ترجمة سيدنا سعد بن معاذ رضي الله عنه (١/ ٨٥).
(٤) أخرجه البيهقي في «الدلائل» (٤/ ٢٢)، والطبري في «التاريخ» (٢/ ٥٨٨) والأخاديد-جمع أخدود-وهو: الشق المستطيل في الأرض.

<<  <  ج: ص:  >  >>