للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القتال، وذلك: أن لقاح النبي صلّى الله عليه وسلم بالغابة (١)، وهي على بريد من المدينة من الشام، وكان فيها أبو ذر وابنه، فأخذها بنو فزارة من غطفان في أربعين فارسا عليهم عيينة بن حصن وابنه (٢) عبد الرحمن الفزاريان، فجاء الصريخ إلى النبي صلّى الله عليه وسلم، فبعث الطلب في آثارهم، وأمّر على الطلب سعد بن زيد الأنصاري، ثم لحقهم النبي صلّى الله عليه وسلم في بقية الناس، فجاءوا وقد استنقذوا اللّقاح، وقتلوا من قتلوا، ولم يجئ الطلب حتى فعل سلمة بن الأكوع الأفاعيل، وكان ممن أبلى يومئذ: أبو قتادة، وعكاشة بن محصن، والمقداد بن عمرو، والأخزم (٣) الأسدي.

واستشهد في هذه الغزوة: الأخزم الأسدي، ووقاص بن مجزّز المدلجي، وبعث النبي صلّى الله عليه وسلم بعد ذلك أخاه علقمة طالبا بثأره، فلما كان ببعض الطريق .. أذن لعبد الله بن حذافة في طائفة من الجيش، فأمرهم عبد الله بن حذافة فأوقدوا نارا، ثم أمرهم بدخولها، فبلغ النبيّ صلّى الله عليه وسلم خبرهم، فقال: «لو دخلوها .. ما خرجوا منها إلى يوم القيامة» (٤).

وبعد ستة أشهر من ذي قرد قدم نفر من عكل-أو من عرينة-ثمانية على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فأسلموا، واستوخموا المدينة، فأمرهم صلّى الله عليه وسلم أن يخرجوا مع إبل الصدقة، فيشربوا من أبوالها وألبانها، ففعلوا وصحوا، فارتدوا وقتلوا


= بعض الرواة)، ثم ذكر كلاما للقرطبي جمع فيه بأنه يحتمل أنه أغزى سرية إلى خيبر قبل فتحها فيهم سلمة، ثم قال: (وسياق الحديث يأبى هذا الجمع، فإن فيه قوله: «حين خرجنا إلى خيبر مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فجعل عمر يرتجز بالقول»، وفيه قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «من السائق؟ »، وفيه مبارزة عليّ لمرحب .. فعلى هذا: ما في «الصحيح» من التاريخ لغزوة قرد أصح مما ذكره أهل السير، ويحتمل في طريق الجمع: أن تكون إغارة عيينة بن حصن على اللّقاح وقعت مرتين: الأولى: التي ذكرها ابن إسحاق، وهي قبل الحديبية، والثانية: بعد الحديبية قبل الخروج إلى خيبر، وكان رأس الذين أغاروا عبد الرحمن بن عيينة، كما في سياق حديث سلمة عند مسلم، والله أعلم).
(١) اللّقاح: الإبل الحوامل، قال ابن سعد (٢/ ٧٧): (وكانت عشرين لقحة ترعى بالغابة).
(٢) في الأصل: (بني)، والتصويب من المصادر، وقد وقع عند مسلم (١٨٠٧): أن عليهم عبد الرحمن، وعند الطبراني في «الكبير» (٧/ ٢٨): أن عليهم عيينة، قال الحافظ في «الفتح» (٧/ ٤٦١): (ولا منافاة؛ فإن كلاّ من عيينة وعبد الرحمن بن عيينة كان في القوم)، وكذا قال الصالحي في «سبل الهدى والرشاد» (٥/ ١٦٧). ويمكن القول-بناء على ما ذكره الحافظ في الجمع بين الأقوال في وقت الغزوة-: إن الإغارة لما تكررت .. كانت الرئاسة بالتالي على التتابع؛ عيينة فعبد الرحمن، والله أعلم.
(٣) كذا ضبطه المصنف رحمه الله تعالى في ترجمته، وقد مر أن الراجح فيه: بالخاء المعجمة والراء، انظر (١/ ٨٨).
(٤) أخرجه البخاري (٤٣٤٠)، ومسلم (١٨٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>