للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيها: صنع المنبر للنبي صلّى الله عليه وسلم، وكان قبل ذلك يخطب إلى جذع يقوم إليه، فقالت امرأة من الأنصار: يا رسول الله، ألا أجعل لك شيئا تقعد عليه؛ فإن لي غلاما نجارا إن شئت، فتوانت في عمل ذلك؛ وكأنها لم تفهم منه الرضا، فاستنجزها صلّى الله عليه وسلم الوعد، فأمرت غلامها ميناء-وقيل: باقوم أو باقول (١) -فعمل المنبر من طرفاء الغابة (٢)، وكان عدد درجاته ثلاث بالمقعد، وسمكه ذراعان وثلاث أصابع، وعرضه ذراع في ذراع، وتربيعه سواء، وطول رمانيته اللتين كان يمسكهما النبي صلّى الله عليه وسلم بيديه الكريمتين إذا جلس: شبر وأصبعان، ولما قعد صلّى الله عليه وسلم .. حنّ الجذع الذي كان يقوم عليه أولا، حتى سمع صوت كأصوات العشار، فنزل إليه صلّى الله عليه وسلم وضمه حتى سكت أو سكن (٣).

ولم يزل المنبر المذكور على حالته تلك إلى زمن معاوية رضي الله عنه، فيقال: إنه همّ بنقله إلى الشام فرجفت المدينة، فتركه وزاد من أسفله ست درجات، وكساه قطيفة، وهمّ المهدي بن المنصور العباسي أن يردّه إلى حاله الأول، فقال الإمام مالك: إنما هو من طرفاء، وقد شدّ إلى هذه العيدان وسمّر، فمتى نزعته خفت أن يتهافت، فتركه، ثم تهافت لطول الزمان، فجدّده بعض خلفاء بني العباس، واتخذ من بقايا منبر النبي صلّى الله عليه وسلم أمشاطا للتبرك بها.

ولما احترق المسجد الشريف وما فيه سنة أربع وخمسين وست مائة، واشتغل الناس باستيلاء التتار على بلاد الإسلام، وقتلهم الخليفة المستعصم بالله العباسي في سنة ست وخمسين وست مائة .. أرسل إليه الملك المظفر يوسف بن عمر الرسولي اليمني (٤) منبرا رمانتاه من الصندل، فنصب مكان المنبر النبوي، وبقي إلى سنة ست وستين وست مائة، إلى أن حوّله الملك الظاهر بيبرس (٥)، ولم يزل منبر الظاهر مستمرا إلى أن وقع بالحرم


(١) وقد قيل في اسمه غير ذلك؛ فقيل: إبراهيم، وقيل: صباح، وقيل: قبيصة، وقيل كلاب، وقيل: تميم الداري، انظر «الإصابة» (٢/ ٣٩٨).
(٢) أخرجه البخاري (٢٠٩٤، ٢٠٩٥)، ومسلم (٥٤٤)، والطرفاء: شجر، وهي أربعة أنواع: أحدها: الأثل، والغابة: موضع من عوالي المدينة جهة الشام.
(٣) سبق تخريجه، في ملخص سيرة النبي صلّى الله عليه وسلم (١/ ١٣١).
(٤) ستأتي ترجمته في وفيات سنة (٦٩٤ هـ‍)، انظر (٥/ ٤٥١).
(٥) ستأتي ترجمته في وفيات سنة (٦٧٦ هـ‍)، انظر (٥/ ٣٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>