للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شديدا، ودافع عن المسلمين حتى انحازوا، وقفلوا راجعين إلى المدينة، فلما قدموا المدينة .. تلقّاهم النبي صلّى الله عليه وسلم والمسلمون، فعيّرهم المسلمون بالفرّار، فقال صلّى الله عليه وسلم: «ليسوا بالفرّار، ولكنهم الكرّار إن شاء الله تعالى» (١).

وقد كان صلّى الله عليه وسلم نعى زيدا وأصحابه بالمدينة يوم أصيبوا، فقال صلّى الله عليه وسلم: «أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب-وإن عينيه تذرفان-حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم» (٢).

وفي هذه السنة قبل الفتح: بعث صلّى الله عليه وسلم ثلاث مائة راكب وأمّر عليهم أبا عبيدة ابن الجراح يرصد عير قريش، فأقاموا بالساحل نصف شهر، وجاعوا جوعا شديدا حتى أكلوا الخبط (٣)، يسمى ذلك الجيش: جيش الخبط، وتعرف الغزوة بغزوة سيف البحر، ونحر قيس بن عبادة ثلاث جزائر، ثم نحر ثلاث جزائر، ثم نحر ثلاث جزائر، ثم إن أبا عبيدة نهاه، فألقى البحر لهم دابّة يقال لها: العنبر، فأكلوا منها نصف شهر، وادّهنوا من ودكها حتى ثابت أجسامهم (٤)، وأخذ أبو عبيدة ضلعا من أضلاعه، فنصبه ومرّ تحته رجل راكب بعيرا (٥).

وفي رمضان من هذه السنة: كان فتح مكة، ويسمى: فتح الفتوح؛ لأن العرب كانت تنتظر بإسلامها إسلام قريش، ويقولون: هم أهل الحرم وقد أجارهم الله من أصحاب الفيل، فإن غلبهم محمد صلّى الله عليه وسلم .. فلا طاقة لأحد به، فلما فتحت مكة ..

دخلوا في دين الله أفواجا، وكانوا قبل ذلك يدخلون أفرادا، ولم تقم للشرك قائمة بعده.

وسبب الفتح: أنه كان بين خزاعة وبين بكر عداوة وترات، وكانت خزاعة دخلت في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم في صلح الحديبية، ودخلت بنو بكر في عهد قريش كما قدمناه، فمكثوا على ذلك سنة ونصفا، ثم بيّتت بنو بكر خزاعة على ماء لهم تسمّى:

الوتير؛ ناحية عرنة، وأعانتهم قريش بالسلاح والرجال مختفين في سواد الليل، فقتلوا


(١) أخرجه الطبري في «تاريخه» (٣/ ٤٢)، وانظر «ابن هشام» (٣/ ٣٨٢).
(٢) سبق تخريجه في ترجمة سيدنا جعفر رضي الله عنه (١/ ٩٧).
(٣) الخبط-محركة-: ورق ينفض بالمخابط ويجفف ويطحن ويخلط بدقيق ويبل بالماء، ثم تعلف منه الإبل.
(٤) العنبر: الحوت، كما في رواية البخاري، والودك: الشحم، وثابت أجسامهم: رجعت وصلحت وامتلأت.
(٥) أخرجه البخاري (٤٣٦٠)، ومسلم (١٩٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>